مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

هل تعرضت قرية الدولاب لتلوث إشعاعي وتهديد بكارثة نووية؟

هل تعرضت قرية الدولاب لتلوث إشعاعي وتهديد بكارثة نووية؟
SaheehNewsIraq

الكاتب

SaheehNewsIraq
nan في الساعات القليلة الماضية تردد على نطاق واسع اسم قرية الدولاب التي تبعد نحو 6 كيلومترات إلى جنوب شرق مدينة الحلة، مركز محافظة بابل، مع ادعاءات وتحذيرات من كارثة نووية، بعد اكتشاف تلوث إشعاعي فيها. ورغم أن الجهات الرسمية قد سارعت إلى إعلان السيطرة عليه، إلا أن الشكوك لا تزال سائدة وتنتشر، جنبًا إلى جنب مع الشائعات والادعاءات حول الحادثة ومن يقف وراءها. تحرى "صحيح العراق" القصة الحقيقية لحادثة التلوث الإشعاعي في قرية الدولاب، وأسبابه، وحقيقة الادعاءات حوله، استنادًا إلى وثيقة رسمية وتصريحات حصرية من مالك المنزل الذي حدث فيه التسرب الإشعاعي، إضافة إلى شهادات سكان من المنطقة ومسؤولين حكوميين. ما هي طبيعة المادة المشعة؟ بدأت الحادثة برصد نشاط إشعاعي مرتفع جدًا في الجانب الغربي من القرية، قبل أكثر من 3 أشهر، من قبل إحدى فرق الهيئة العراقية للسيطرة على المواد المشعة، أثناء فحص روتيني ضمن المنطقة. [1] واطلع "صحيح العراق" على وثيقة صادرة عن دائرة الصحة في بابل بتاريخ 11 يناير 2024، وتحقق من صحتها. وتتضمن الوثيقة إجابة على استفسار أرسله النائب حيدر المطيري في 7 يناير 2024، بشأن مصدر الإشعاع وبعض التفاصيل عن الواقعة [3] وفي نص الوثيقة المرقمة بـ"العدد 48"، تقر دائرة الصحة في بابل برصد تلوث بنظير السيزيوم-137 [4]، وهي مادة تبعث أشعة "جاما" وأشعة "بيتا" في نفس الوقت، وتعتبر من النفايات المشعة السائلة الناجمة عن الانشطار النووي لليورانيوم-235، وتستخدم في بعض الأجهزة الطبية وأجهزة القياس [5]، كما أنها أحد المنتجات الثانوية لعمليات الانشطار النووي في المفاعلات النووية وتجارب الأسلحة النووية. فيما قالت دائرة الصحة في حينها، إنّها أرسلت فريقًا من شعبة الطوارئ (CBRN) إلى الموقع، مؤكدة إرسال أفراد العائلة المعرضة للإشعاع إلى موقع التويثة للأبحاث النووية بـ "عجلات الإسعاف لإجراء كافة الفحوصات المختبرية". كما أكّدت مسح المنطقة وتحديد العوائل القريبة من منطقة التلوث، وتسجيل أسماء المواطنين المشتبه بتعرضهم إلى الإشعاع في قرية "الدولاب"، وقالت إنّها "أرسلت فريقًا من قطاع الحلة الثاني لحث أفراد العوائل القريبة من منطقة التلوث على مراجعة مستشفى الإمام الصادق التعليمي لغرض إجراء الفحوصات اللازمة لهم". ليست براميل منهوبة ولا ثلاجة.. أين تقع بؤرة الإشعاع؟ حدد "صحيح العراق" بؤرة التلوث باستخدام خرائط جوجل، وتقع داخل منزل على بعد أمتار قليلة من شط الحلة، قرب ملعب شعبي لكرة القدم ومقهى ومحل بقالة، ضمن حي صغير يضم نحو 150 منزلًا.[2] [2*] يضم المنزل عائلة من نحو 10 أفراد، وتحيط به منازل أخرى لعدد من أشقاء وأقارب رب الأسرة، ويقدر عددهم بـ 5 عوائل. تواصل "صحيح العراق" مع صاحب المنزل الذي وقع فيه التلوث الإشعاعي، ليؤكد في اتصال هاتفي سلامته وأفراد أسرته بناءً على نتائج الفحوصات التي جرت في موقع التويثة للأبحاث. وقال مالك المنزل الذي يتحفظ "صحيح العراق" على نشر اسمه، إنّ "المعلومات المتداولة عن انتشار المادة المشعة من براميل منهوبة في أحداث سقوط النظام السابق، غير صحيحة"، ونفى أيضًا المعلومات التي عزت التلوث إلى جهاز تبريد الطعام "ثلاجة مستوردة (بالة)". وأوضح أنّ "التلوث مرتبط بأطنان من التراب جرى استخدامها في ردم وتهيئة أساسات المنزل قبل نحو 10 سنوات". وبحسب تصريحات صاحب المنزل، فإنّ مصدر التراب كان "موقعًا لبيع مواد البناء (سكلة)"، مشيرًا إلى أنّ مالك السكلة "لم يقدم أي معلومات عن طريقة حصوله على هذا التراب". وبيّن أنّ فريق هيئة السيطرة على الإشعاع رفع حتى الآن كميات كبيرة من التراب من منزله، وخزنها في 200 برميل على الأقل، وما زال العمل جاريًا. لا تعليق من هيئة السيطرة على مصادر الإشعاع من جانبها رفضت الهيئة العراقية للسيطرة على مصادر الإشعاع تقديم أي معلومات عن الواقعة، في المقال طلب المسؤول عن التواصل مع وسائل الإعلام وقتًا للرجوع إلى المسؤولين في الهيئة قبل إعطاء أي تصريحات. كما لم تصدر أي جهة رسمية بيانًا حول التلوث الإشعاعي في قرية "الدولاب"، باستثناء رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس محافظة بابل حسين الدهموشي. "الإشعاع الآن أقل بـ10 مرات" وكان الدهموشي قد أكّد في تصريحات مصورة نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، اطلاعه على موقع التلوث الإشعاعي. ووصف رئيس لجنة الصحة والبيئة في بابل الأمر بـ"البسيط"، قائلًا: "هو عبارة عن تلوث إشعاعي لا يمتد إلى الشارع المقابل أو المنطقة المقابلة"، مضيفًا أنّ الإشعاع كان مرتفعًا لدى رصده أول مرة قبل أشهر، "لكن بعد البحث وإزالة طبقات من التربة وبعض حاجيات المنزل انخفض مستوى الإشعاع بنسبة 10 مرات أقل". وقال الدهموشي أيضًانّ الفريق سيتوقف عن إزالة طبقات التربة "حين الوصول إلى مستوى أمن من الإشعاع، وهو المستوى المقبول في أي مكان من الحلة"، مؤكدًا في الوقت ذاته أنّ الإشعاع ناجم "عن مادة مشعة بسيطة، حالها حال المواد التي تستخدم لأغراض طبية"، دون تحديدها.[6] وفي توضيح آخر، أكّد الدهموشي، أنّ "السبب الحقيقي ليس كما أشيع أنه بسبب حاويات تحتوي على بودر المادة المشعة، بل هو بسبب الأجهزة الكهربائية (البالة) التي تم استيرادها بعد 2003 دون رقابة". التعتيم يربك سكان القرية ويعمل فريق هيئة السيطرة على مصادر الإشعاع في الموقع منذ أكثر من 3 أشهر، وسط تعتيم رسمي، فيما قال شاهد عيان من سكان المنازل القريبة، لـ"صحيح العراق"، إنّ الفريق يقيم في موقع قريب مستأجر. وأبدى شاهد العيان استغرابه من "التعتيم على نسب النشاط الإشعاعي في المنطقة"، قائلًا إنّ "هذا التعتيم سمح بترويج شائعات كبيرة حول المنطقة سيكون لها أثر سلبي كبير على السكان، من بينها انهيار أسعار المنازل، ورفض عوائل المناطق القريبة اقتران بناتهم بشبان قرية الدولاب، خشية الإصابة بالإشعاع، أو تداعيات محتملة مستقبلًا تهدد حياة الأجنة والأطفال". فيما قالت طالبة جامعية تسكن على بعد منازل قليلة من الموقع الملوث لـ"صحيح العراق"، إنّ "القلق الأكبر يتمثل في خوف الأهالي من تلوث الأغذية بالإشعاع، بالنظر إلى الفترة الزمنية الطويلة التي تعرضت لها القرية لانبعاثات المادة المشعة"، مبينًا أنّ بعض سكان المنطقة "يربطون بين هذا التلوث وحالات إصابات بأمراض السرطان شخصت مؤخرًا بين بعض أهالي المنطقة". السيزيوم يبقى في البيئة لسنوات عدة يتسبب "السيزيوم 137" في حال كانت نسب الإشعاع مرتفعة جدًا، بحروق، وقد يؤدي إلى الموت، ويمكن أن يلوث الماء والأغذية.[7] وبحسب منظمة الصحة العالمية، يبقى النظير المشع للسيزيوم في البيئة لسنوات عدة. ويمكن أن يؤدي التعرض لهذه المادة المشعة إلى زيادة خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان. وفي حال تناول أغذية ملوثة بالسيزيوم فإنه ينتشر في الجسم، ويتطلب طرحه مع البول فترة طويلة جدًا بالنظر إلى دورة حياته التي تبلغ 30 سنة. وتقول منظمة الصحة العالمية إنّ "تسرّب مواد مشعّة على إثر طارئة نووية أو إشعاعية، يحدث نشاطًا إشعاعيًا إضافيًا في الأغذية، وتشير إلى أنّ هذه المواد المشعة يمكن أن تترسب على سطح الأغذية مثل الخضروات أو الأعلاف الحيوانية، في حال تساقطت من الهواء أو وصلت عبر مياه الأمطار أو الثلوج، إذ تنتقل النويدات المشعة مع مرور الزمن عبر التربة إلى المحاصيل أو الحيوانات وتتراكم داخل الأغذية، كما يمكن أن تنجرف النويدات المشعة إلى الأنهار والبحيرات والبحر حيث يمكن أن تستقر في الأسماك والمأكولات البحرية.[8] رغم ذلك، يقلل رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس محافظة بابل، حسين الدهموشي، من خطورة نسب الإشعاع المسجلة في الموقع الملوث، إذ يقول إنها "ليست بهذه الخطورة". في الوقت ذاته قال الدهموشي إنه جاري العمل على "خطة محلية لمسح الإشعاع في بابل، وإصدار قرار يلزم مديرية بيئة بابل بإعداد كشف لآلية متخصصة لكشف الإشعاع، لتجنب مخاطر تسرب مصادر التلوث الإشعاعي إلى مصانع الحديد والصلب"، وبالتالي انتشارها في المنشآت والمباني والمنازل".[9]