مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

التقرير السنويّ لاضطراب المعلومات، والحملات الإلكترونيّة المُنسَّقة، وتوجهات انتهاكات الحقوق الرقميّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2024

التقرير السنويّ لاضطراب المعلومات، والحملات الإلكترونيّة المُنسَّقة، وتوجهات انتهاكات الحقوق الرقميّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2024

خلفيّة

يسعى تقريرنا السنويّ الأول إلى تحديد وتحليل اتجاهات اضطراب المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2024. يُعرَّف اضطراب المعلومات بأنّه مجموعة شاملة تشمل نشر معلومات كاذبة دون نيّة الإضرار «معلومات خاطئة» (misinformation)؛ ونشر معلومات كاذبة بقصد الإضرار «معلومات مضلّلة» (disinformation)؛ ونشر معلومات دقيقة بطريقة تُلحق الضرر (malinformation)، بالإضافة إلى الحملات الإلكترونية المُنسَّقة. يمكن اختصار الفئات الثلاث لاضطراب المعلومات بـ (MDM)؛ حيث يشير هذا التقرير إلى اضطراب المعلومات وMDM بالتبادل. وبالمثل، تشير الحملات الإلكترونيّة المنسّقة إلى حسابات وسائل التواصل الاجتماعيّ الحقيقيّة والمزيّفة والمكرَّرة التي أُنشِئت بغرض التلاعب بالجماهير ونشر سرديّة محددة، غالبًا ما تكون مرتبطة بالحكومات. 

 

نسخة PDF متاحة للتنزيل من هذا الرابط

 

يُفتتح التقرير باستعراض تطوّر الحقوق الرقميّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية، بما يشمل التغيّرات التي طرأت على تشريعات الجرائم الإلكترونيّة وغيرها من القوانين المُستخدَمة في تنظيم الفضاء الرقمي. وتشير الحقوق الرقميّة إلى الامتدادات الرقميّة لحقوق الإنسان، أي تلك التي تُمارَس في البيئات الإلكترونيّة. يضع التحالف من أجل الحقوق الرقميّة العالميّة تسعة مبادئ رقميّة لضمان صون حقوق الإنسان في المجال الرقمي، من بينها: السلامة الشخصيّة، وحماية الخصوصيّة، والوصول الرقمي الشامل، وحرّية التعبير وتكوين الجمعيّات، فضلًا عن شبكات آمنة ومستقرّة ومرِنة، وحوكمة رقميّة رشيدة.

 

كما يُستعرَض في التقرير بحثٌ أُجري حول اضطراب المعلومات خلال العام الماضي، من خلال تحليل واسع للبيانات المُستخلَصة من عدد كبير من منظمات التحقّق من المعلومات العاملة في مختلف أنحاء المنطقة، إلى جانب تفحّص عدد من الحملات الرقميّة المنسّقة التي أُطلِقت عام 2024. ويُختتَم التقرير بجملة من التوصيات الموجّهة إلى مدقّقي الحقائق في المنطقة، وشركات التكنولوجيا، والحكومات، والمنظّمات الدوليّة، تُبيّن السُبُل المقترَحة لمواجهة اضطراب المعلومات وآثاره على الحقوق الرقميّة للمجتمعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

يأتي هذا التقرير في وقت تتزايد فيه التحديات التي تواجه الحقوق الرقميّة وحرية التعبير في الفضاءات الرقمية، كما يتضح من خلال تزايد استخدام الدول للإجراءات القانونيّة لمراقبة استخدام المواطنين للإنترنت، وقمع المعارضة عبر الإنترنت، وخنق التدفق الحرّ للمعلومات. في الواقع، على الرغم من أنّ التقدّم التكنولوجي والتحوّلات الرقميّة في جميع أنحاء المنطقة اقترن بالنمو الاقتصاديّ، لا سيّما في دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك بتعبئة المجتمعات خلال الثورات الديمقراطيّة في عامي 2011 و2019، فقد استُخدِم أيضًا لأغراض الثورة المُضادّة، ردًّا على تلك الثورات نفسها. 

 

وبوتيرة متسارعة، أُسيء استخدام التحوّلات الرقميّة من قِبل العديد من الدول في المنطقة لتعزيز ما بات يُعرف بـ«الاستبداد الرقمي»؛ أي عمليّة التكيّف الاستبدادي مع التكنولوجيا الرقميّة، والتي تشمل طيفًا واسعًا من الممارسات، تبدأ من فرض الحجب وقطع الوصول إلى الإنترنت، ولا تنتهي عند توظيف التشريعات القانونيّة في خدمة المراقبة والقمع. وقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في توظيف قوانين الأمن القومي ومكافحة الإرهاب لتجريم الأنشطة الرقميّة، وتبرير الرقابة على الإنترنت، وحجب المواقع الإلكترونيّة، ومراقبة الأفراد.

على سبيل المثال، استخدمت المملكة العربية السعودية قانون مكافحة الإرهاب لاتهام نشطاء حقوق الإنسان بـ «ارتكاب» أو «التحريض» على الإرهاب من خلال المحتوى الذي ينشرونه على الإنترنت. وكان هذا هو الحال في دول أخرى في جميع أنحاء المنطقة أيضًا، مما أدى إلى استهداف المعارضين السياسيين والنشطاء المدنيين لأغراض معاقبتهم وقمع المعارضة عبر الإنترنت. بالإضافة إلى إساءة استخدام القوانين الحالية لضبط النشاط عبر الإنترنت، أصدرت بعض الدول في المنطقة مؤخرًا قوانين للجرائم الإلكترونية تجرّم مجموعة واسعة من المحتوى عبر الإنترنت وتمنح الحكومة سلطات مراقبة أوسع على الأنشطة الرقمية؛ مما يزيد من تشديد القدرة على ممارسة حرية التعبير على الإنترنت.

كما أدت الانفجارات الأخيرة للتصعيد السياسي في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى زيادة الفوضى المعلوماتية في المحتوى العربي عبر الإنترنت، واستخدمت الحكومات في جميع أنحاء المنطقة حملات ممنهجة حملات سلوكيّة منسقة غير أصلية -مكوَّنة من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الحقيقية والمزيفة والمكررة- من أجل الدفع عمدًا بسرديات معينة في الأوقات المضطربة.

وبهذا المعنى، تعد بعض حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أهم الجهات الفاعلة وراء اضطراب المعلومات في المنطقة، حيث تستخدم الروبوتات وجيوش المتصيدين و«الذباب» لإغراق المساحات عبر الإنترنت بروايات مؤيدة للحكومة. في عام 2019، أعلنت منصّة تويتر، المعروف الآن باسم X، عن أكبر شبكة تضليل مدعومة من الدولة اكتشفها على الإطلاق، والتي نشأت من المملكة العربية السعودية؛ وتضمنت 5929 حسابًا كجزء من الشبكة الأساسية، والتي بدورها سيطرت على 88000 حساب انخرطت في سلوك غير أصيل منسق للتأثير على الجمهور.

وقد عرض تقرير سابق لـ AFH الحملات التي انتشرت في السنوات الأخيرة: في الأردن، تدخلت الحملات عبر الإنترنت في قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية المثير للجدل الذي صدر في أغسطس 2021؛ وفي مصر، أدى مقتل نيرة أشرف إلى إنشاء العديد من مجموعات Facebook وهاشتاج لدعم المتهم والانخراط في نشر نظريات المؤامرة. في عام 2024، انتشرت الحملات المنسقة المتعلقة بالحروب في غزة ولبنان والسودان. وشهدت الإبادة في غزة على وجه الخصوص وفرة من الحملات المباشرة وغير المباشرة: تشمل الحملات المباشرة، على سبيل المثال، الهجمات الإسرائيلية المنسقة على الصحفيين الفلسطينيين في فبراير 2024 أو على الأونروا في مارس 2024؛ من ناحية أخرى، تتعلق الحملات غير المباشرة بغزة ولكنها تركز على الأطراف الإقليمية. على سبيل المثال، عقب الهجوم الإسرائيليّ على غزّة، سارعت حسابات سعوديّة إلى الإشادة بالمملكة لاعترافها بفلسطين، في حين ردّت حسابات إماراتيّة بإبراز مواقف الإمارات والإشادة بها بدلًا من ذلك.

 

كما أفضى اغتيال عدد من القادة البارزين خلال الحرب إلى انطلاق حملات منسّقة؛ إذ أدّى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، إلى حملات موجّهة تتّهم الشيعة بالوقوف وراء عمليّة الاغتيال، قابلتها حملات مضادّة تتّهم السنّة بالتورّط فيها والتواطؤ مع إسرائيل. وبالمثل، عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أطلقت حسابات سعوديّة ومصريّة حملات ساخرة تضمّنت نشر معلومات مضلّلة عنه. أمّا الحرب في السودان، والتي كانت قد شهدت بالفعل أشكالًا من «القمع الرقميّ»، بما في ذلك الإغلاق المتكرّر لشبكات الإنترنت، فقد ألهمت سلسلة من الحملات الرقميّة المنسّقة، تورّطت فيها الإمارات العربيّة المتّحدة، سواء دعمًا لمشاركتها في النزاع أو في سياق معارضتها.

 

علاوة على ذلك، فاقم الانتشار المتسارع لتقنيّات الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ (AI) من حدّة اضطراب المعلومات عالميًّا وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فقد سهّلت هذه الأدوات إنتاج المحتوى المزيّف، سواء على هيئة نصوص أو صور أو تسجيلات صوتيّة أو مقاطع مرئيّة، ما يمثّل تحدّيًا إضافيًّا أمام جهود تدقيق الحقائق ومكافحة التضليل.

 

المنهجيّة

يُقدّم هذا التقرير لمحةً عامةً عن اتجاهات اضطراب المعلومات في المنطقة بطريقتين: أولًا، من خلال تحليل شامل للبيانات أو «التحقيقات» الصادرة عن مجموعة من منظمات تدقيق الحقائق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وثانيًا، من خلال تحليل حملات السلوك الزائف المُنسّقة المبنية في التحليل الأسبوعي الذي أجرته منظمة «مجتمع التحقق العربيّ» للحملات في عام 2024، حيث تختار المؤسسة حملة واحدة أسبوعيا ويجري تحليلها ودراسة أبعادها.

يتكون تحليلنا للبيانات من إجمالي 5402 «تحقيقات» أو معلومات مُتحقّق منها، والتي تُرسم صورةً لاضطراب المعلومات المُوجود في المحتوى العربي. ولتحقيق ذلك، قمنا بمراجعة بياناتٍ تتراوح بين يناير وديسمبر 2024 من 23 منظمات تدقيق الحقائق في المنطقة. يقوم فريق مجتمع التحقق العربي بتنظيم هذه البيانات، بناءً على المنظمة التي قدّمت البيانات، والبلد المعني، والفئات/الموضوع. نظرًا لتنوع مخرجات تدقيق الحقائق من مختلف المنظمات، فإن كمية البيانات الشهرية الصادرة عن هذه المنظمات، وبالتالي عن الدول المعنية، ليست موحدة. علاوة على ذلك، وبينما تُدار غالبية منظمات تدقيق الحقائق بشكل مستقل، فقد اضطررنا إلى إدراج منظمات إضافية قد تكون تابعة لجهات حكومية في بعض دول المنطقة لتمثيل هذه الدول بسبب عدم تواجد منظمات أهلية مستقلة فيها.

تشهد حملات السلوك الزائف المنسّق حضورًا متزايد الأهميّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد تولّت منظمة «مجتمع التحقّق العربي» منذ نهاية عام 2022 مهمّة تحليل هذا النمط من الحملات، عبر نشر تقارير دوريّة بالشراكة مع منصّة «درج». وخلال هذه الفترة، نشرت المنظّمة نحو 70 تقريرًا وثّقت فيها نشاط حسابات مزيفة وأخرى حقيقيّة، خُصّصت لنشر خطاب منسّق غير أصيل، يتضمّن بعضه محتوى يحضّ على الكراهيّة والعنصريّة، في حين يحتوي جزء كبير منه على معلومات مضلّلة.

يمكن تعريف حملات السلوك الزائف المنسّقة بأنها أسلوب تواصل تلاعبيّ يستخدم مزيجًا من حسابات التواصل الاجتماعيّ الحقيقيّة والمزيفة والمكررة لتشكيل شبكة غير أصيلة عبر منصات التواصل الاجتماعي وتوجيه المستخدمين نحو توجه أيديولوجي محدد. يستثني هذا التعريف الحملات غير الرقمية المنسّقة التي تطلقها وسائل الإعلام التقليدية لدعم أو مهاجمة طرف معين، وكذلك الحملات الرقميّة التجاريّة/السياسيّة التي تستهدف أفرادًا أو جماعات محددة بناءً على تحليل بياناتهم وتفضيلاتهم. كما يستثني هذا التعريف الحملات التجارية والإعلانية الرقمية المنسقة التي تهدف إلى التأثير على سلوك المستهلك تجاه منتج معين.

وهكذا، فإن العناصر الرئيسيّة التي تحدد ما نبحث عنه هي:

  • وجود حملة إلكترونية منسقة تنشر رسائل متكررة ومنظمة تدافع عن مصالح أطراف أو جماعات معينة و/أو تهاجم طرفًا أو جماعة أخرى؛

  • تُطلق الحملة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وخاصةً منصّة X (المعروفة سابقًا باسم «تويتر») وفيسبوك وتيليجرام؛

  • تهدف الحملة إلى التأثير على الرأي العام؛

  • إن كشف الحملة يخدم المصلحة العامة بما يتجاوز مصلحة الشخص أو الجهة المستهدفة.

يتناول هذا التقرير السنوي مضمون 42 حملة إلكترونيّة منسّقة قامت منظمة «مجتمع التحقّق العربيّ» بتحليلها خلال عام 2024. ويُقسَّم هذا التحليل إلى محاور بحثيّة متعدّدة تتماشى مع موضوعات الحملات المختلفة، مثل الصراعات العسكريّة أو السياسيّة، أو قضايا اللاجئين، أو الأقليّات، أو النوع الاجتماعيّ، وغيرها. ويجري تصنيف الحملات استنادًا إلى البلد أو البلدان التي نُفّذ فيها موضوع الحملة، بالإضافة إلى البلد أو الجهة التي يُحتمل أن تكون مصدرًا لها. وفي بعض الحالات، قد تنشأ الحملة في بلد أو مجموعة من البلدان، بينما تُنفّذ فعليًّا في سياق مختلف جغرافيًّا عن منشئها.

 

التشريعات في الدول العربية: سيف مسلط على رقاب الحقوق الرقمية

 تُعرَّف الحقوق الرقميّة بأنها امتداد طبيعيّ لحقوق الإنسان في الفضاء الرقميّ؛ وهي تضمن لكل فرد حقه في الوصول إلى المعلومات، وتبادلها بحرية وأمان. تشمل هذه الحقوق حق الخصوصيّة وحماية البيانات الشخصية، وحق التعبير عن الرأي بحرية من دون خوفٍ من الرقابة أو الملاحقة، وحق الوصول إلى الإنترنت وخدمات الاتصالات، بالإضافة إلى حق المساواة وعدم التمييز في الوصول إلى التكنولوجيا والمعرفة. 

 

ورغم أن العديد من الدول العربية سنت قوانين تتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية، إلّا أن هذه الدول شهدت إساءة لاستخدام هذه القوانين في حملات القمع والتضييق على حرية التعبير عبر الإنترنت. كما وُظفت قوانين مكافحة الإرهاب في بعض الدول العربية لتقييد الحقوق والحريات الرقمية؛ ومنها تغليظ العقوبات على مواقع التواصل الاجتماعيّ. في هذا الجزء من التقرير نسلط الضوء على أهم التشريعات ذات الصلة التي سُنَّت في الدول العربية، وبيان نماذج من توظيفها لقمع حرية التعبير بشكل عام، والحقوق الرقميّة على وجه الخصوص. 


قوانين جنائية لتجريم الحقوق الرقميّة

في المملكة العربيّة السعوديّة، تُستخدم قوانين مكافحة الإرهاب كأداة لتقييد الحقوق الرقميّة وانتهاكها بشكل منهجي. ففي السنوات الأخيرة، وُجّهت إلى عدد من النشطاء الحقوقيّين تهم بارتكاب «جرائم إرهابيّة»، استنادًا إلى المادتين 43 و44 من قانون مكافحة الإرهاب، ما يعكس نمطًا متصاعدًا من توظيف النصوص القانونيّة في ملاحقة الأنشطة الرقميّة ذات الطابع الحقوقيّ أو المتعلِّق بالحريّات.

ومن الأمثلة البارزة على هذا «القمع الرقميّ» قضية الناشطة السعودية مناهِل العتيبي، التي اعتُقلت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بتهم تتعلق بـ«الإرهاب» و«زعزعة الأمن» على خلفية نشرها مجموعة من الفيديوهات التي وصفها البعض بأنها «مسيئة للدين والقيم المجتمعية». وقد حُكِم عليها في يناير/كانون الثاني 2024 بالسجن لمدة 11 عامًا، ما أثار استنكارًا واسعًا. واعتبرت منظمة «العفو الدوليّة» في تقرير لها أن الحكم يفتقر إلى المعايير الدولية للعدالة، مشيرةً إلى غياب الشفافية والنزاهة في الإجراءات القانونية؛ وهو ما يُبرز أزمة أعمق في التعامل مع حقوق الإنسان وحرّيّة التعبير في السعوديّة.

أما في مصر، فلا يزال قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2015 يُقيّد الأنشطة الرقمية بشكل ملحوظ، حيث تُستخدم بعض مواده لتجريم نشر الأخبار أو المعلومات التي تُعتبر «مضللة» أو تهدد «الأمن القوميّ». في عام 2018، صادق الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، الذي يمنح السلطات صلاحيات واسعة للتدخل في خصوصية المستخدمين ومراقبة أنشطتهم على الإنترنت. كما أقر البرلمان قانونًا لوسائل الإعلام يُعطي الحكومة سلطة مراقبة الحسابات التي يتابعها أكثر من خمسة آلاف شخص على وسائل التواصل الاجتماعي.

استُخدمت هذه القوانين لتبرير حجب المواقع الإلكترونية، وطالت هذه الإجراءات التعسفية الحقوقيين والمعارضين. من بين الحالات البارزة، يحيى حسين عبد الهادي، مؤسس «الحركة المدنيّة الديمقراطيّة»، الذي وُجهت إليه تهم عديدة؛ مثل «نشر أخبار كاذبة» و«زعزعة الأمن». قضى عبد الهادي ثلاث سنوات في السجن وأُفرج عنه بعفو رئاسي في عام 2022. ومع ذلك، اعتُقلَ مرّة ثانية بعد نشره مقالًا بعنوان «إلى متى يصمت الجيش» على منصّة فيسبوك في 2024، ووُجِّهَت إليه تهم جديدة منها «الانضمام إلى جماعة إرهابيّة»، و«إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ»، و«بث ونشر إشاعات وأخبار كاذبة».

أما في البحرين، تُعد قوانين مكافحة الإرهاب ومكافحة الجرائم الإلكترونية أدوات رقابية فعّالة تُستخدم لتقييد حرية التعبير والأنشطة الرقميّة. يعاقب قانون مكافحة الإرهاب كل من يُدان بنشر معلومات تعتبر «مضللة» أو تُهدد «الأمن الوطنيّ». ووفقًا لمنظمة «أمريكيون من أجل الديمقراطيّة وحقوق الإنسان في البحرين»، استُخدمت هذه القوانين لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين الذين يعبرون عن آرائهم عبر الإنترنت.

 

هذه بعض الأمثلة من بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تُستخدم فيها القوانين الجنائية بشكل تعسفي أحيانًا، مما يجعلها أداة لقمع الحقوقيين والنشطاء والمعارضين لا من أجل حماية الفضاء الرقميّ.

 

قوانين جرائم تقنية المعلومات

تُعتبَر قوانين جرائم تقنية المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إحدى وسائل إسكات المنتقدين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، أضِف إلى ذلك أنها تُتخَذ كذريعة للتضييق على العمل الصحفي في بعض الدول. كما تشترك الكثير من قوانين جرائم المعلومات في المنطقة بأنها تستخدم مصطلحات غامضة؛ كالمساس بهيبة الدولة، وإثارة النعرات والفتن، والإخلال بأمن الدولة أو استقلالها والآداب العامة وغيرها من التهم التي يُسخَّر القانون لأجلها. 

فعلى سبيل المثال، يُجرّم قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في الإمارات مجموعة واسعة من الأنشطة الرقمية؛ بما في ذلك نشر أو مشاركة محتوى يُعتبر مسيئًا أو مخالفًا للقيم الإسلاميّة. كما يُعاقب على أي استخدام غير مصرح به للبيانات أو المعلومات الشخصيّة؛ مما يمنح السلطات صلاحيات واسعة لمراقبة الأنشطة الرقمية. يشمل القانون عقوبات مشددة تصل إلى السجن لعدة سنوات وغرامات ماليّة باهظة.

بالإضافة إلى ذلك، يقترح قانون الجرائم الإلكترونية في العراق فرض عقوبات قاسية على أي شخص ينشر محتوى يُعتبر مسيئًا لـ«المصالح الاقتصاديّة أو السياسيّة أو العسكريّة أو الأمنية العليّا» للبلاد. تشمل العقوبات السجن مدى الحياة وغرامات تصل إلى 50 مليون دينار عراقي (نحو 38 ألف دولار أميركيّ). أثارت هذه التشريعات مخاوف من استخدامها لتقييد الحريات الرقمية ومعاقبة الأصوات المعارضة؛ مما يهدد بتضييق المساحات المتاحة للنقاش العام والنشاط المدنيّ.

أمّا في الأردن، فيتضمن قانون الجرائم الإلكترونية أحكامًا غامضة تُفسَّر بشكل تعسفيّ؛ ما يُمكِّن من استهداف الأصوات المعارضة وقمع حرية التعبير، وفقًا لـ«منظمة العفو الدوليّة». يُركّز القانون على مكافحة «الشائعات» و«الأخبار الكاذبة»، حيث يعاقب على نشر معلومات يُزعم أنها مضللة وتضر بـ«المصالح العامة أو الخاصة»؛ وهو الأمر الذي أثار مخاوف حقوقية من إساءة استخدامه لتقييد النقد المشروع ومنع حريّة التعبير.

شملت تطبيقات القانون حالات بارزة، منها اعتقال المحامي معتز عوض بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، بتهمة «إثارة الفتنة»، وحُكم عليه بغرامة مالية قدرها 5,000 دينار أردني (حوالي 7,000 دولار أمريكي). في السياق ذاته، حُكم على الصحفية هبة أبو طحا بالسجن لمدة عام بسبب مقال انتقد دور الأردن في في تصدير السلع إلى إسرائيل، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. تُعزّز هذه القضايا مخاوف المؤسّسات الحقوقيّة من استغلال القانون وتسليحه لإسكات الأصوات المنتقدة وتقليص الحريّات الرقميّة.

وفي تونس، يُستخدم قانون الجرائم الإلكترونية رقم 54 لسنة 2022 أداة لتقييد الحريات المدنية والتضييق على عمل المنظمات الحقوقية، وفقًا لـ«منظمة العفو الدوليّة». يركز القانون بشكل خاص على المنظمات العاملة في مجال حقوق المهاجرين واللاجئين؛ مما أسهم في تراجع كبير في النشاط المدني. كما يفرض القانون عقوبات قاسية على أي تعبير يُعتبر مسيئًا للسلطات أو مسببًا للفتنة، وهو ما أثار مخاوف حقوقية واسعة.

ووفق «مؤسسة ديجيتال أكشن»، فقد جرى استهداف عشرات النشطاء والمدونين بموجب هذا القانون. وخلال الفترة الأخيرة، تعرض ما يقرب من ستين شخصًا للتوقيف أو الاستدعاء نتيجة منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعيّ؛ مما يعكس اتساع نطاق الرقابة وتقييد حرية التعبير في تونس.

وقد قدّمت الحكومة المغربيّة، في مارس/آذار 2020، مشروع قانون لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثار جدلًا واسعًا بسبب تقييده المحتمل لحرية التعبير، وأطلق عليه النشطاء اسم «قانون تكميم الأفواه». كما واجهت المادّة 16 انتقادات لافتقارها إلى تعريف دقيق لـ«الأخبار الزائفة»، ما يفتح بابًا واسعًا للتفسيرات التعسفيّة وتحويل أي نقد للسلطة إلى جريمة. وفي عام 2023، أعلن وزير العدل إضافة عقوبات مشدّدة على مروّجي الأخبار الزائفة بموجب مشروع القانون الجنائيّ الجديد، ما زاد المخاوف بشأن تقييد حرية التعبير. حكمت محكمة في الدار البيضاء، في 3 مارس/آذار 2025، غيابيًّا على الناشط البارز فؤاد عبد المومني بالسَّجن ستة أشهر، وفرضت عليه غرامة ماليّة قدرها 2,000 درهم (نحو 208 دولارات أمريكيّة)، بسبب منشور على فيسبوك. 

وفي موريتانيا، يُسلّح سنّ قانونيْ «التلاعب بالمعلومات» و«حماية الرموز الوطنيّة» لتقييد حرية الرأي تحت ذريعة «نشر الأخبار الكاذبة». فعلى سبيل المثال، استُدعي المدوّن عبد الرحمن ولد ودادي في أيلول/سبتمبر 2024 من قبل فرقة الدرك الوطنيّ المكلّفة بالجرائم الإلكترونيّة، بعد نشره بثًّا مباشرًا على «فيسبوك» انتقد فيه تجارة المخدّرات.

تستخدم الحكومة العمانية المادة 19 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات كأداة قانونية لمعاقبة من ينشر محتوى يثير النعرات أو يضر بالنظام العام. ففي أبريل/نيسان 2024، استدعت السلطات العمانية الناشط سعيد جداد على خلفية نشره عدة تغريدات عبر حسابه على منصة «إكس». في الوقت نفسه، أشار المركز العماني لحقوق الإنسان إلى أن الدكتور أحمد مسعود المعشني وطارق سعيد محاد العمري واجهوا اتهامات مشابهة، حيث وُجِّهت لهم تُهم بنشر محتوى يثير النعرات والفتن الدينيّة والمذهبيّة.

بناءً على ما سبق، يتبين أن العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد استخدمت القوانين المتعلقة بالجرائم الإلكترونيّة كأداة للحد من حرية الرأي والتعبير، الأمر الذي ألقى بظلاله الوخيمة على الصحفيين والنشطاء الذين يعبرون عن آرائهم المخالفة للسلطات. وعلى الرغم من أنّ هذه القوانين تدعي أنها تهدف إلى مكافحة المعلومات المضللة وحماية الأمن العام، إلّا أنها غالبًا ما تُستخدم، في الواقع، لتقييد الحريات الرقمية، وقمع المعارضة، وفرض رقابة على وسائل الإعلام. 

 

اضطرابات المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العام 2024

يستند «مجتمع التحقق العربيّ» على منهجية محددة في تصنيف مواد تدقيق المعلومات. وقد وُضِعَت هذه المنهجيّة وأُعدَّت بعنايةٍ فائقةٍ، بعد فحص منهجية تصنيف مواد تدقيق المعلومات في  «ميتا» و «جوجل»، وتوافقها مع تصنيفات المنصات، وإليكم تصنيفات AFH ودلالة كل منها؛ غير صحيح: يتضمن هذا التصنيف الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة، سواء أكانت خاطئة أو مفبركة؛ غير صحيح جزئيًا: ويشمل هذا التصنيف المحتوى يتضمن بعض الأخطاء التي تساهم في التضليل، وكذلك الاجتزاء من السياق أو السياق الخاطئ؛ ساخر: ويشمل هذا التصنيف المحتوى الذي يُستخدَم بغرض السخرية أو المبالغة أو النقد، والمقدم من منصات لا تصنف نفسها أنها تقدم محتوى ساخرًا بشكل واضح، ومنصات ساخرة غير واسعة الانتشار؛ تقارير (تحقيقات): يشمل هذا التصنيف كافة المواد التي تنتجها منصات تدقيق المعلومات في إطار إلقاء الضوء على قضية معينة أو موضوع معين يثير الجدل في وقت ما، بهدف نشر المعلومات الموثوقة عن هذا الموضوع، لتجنب وقوع المتلقي في براثن التضليل؛ غير محدد: هو مواد غير مصنفة من قبل الشركاء (منصات تدقيق المعلومات)، كمواد تدقيق معلومات. ولم يحدد الشركاء أي تصنيف لها. 



تدقيق المعلومات في عام 2024

رصدَ «مجتمع التحقّق العربيّ» على مدار عام كامل 5402 مادة، من 23 مؤسسة متخصصة في تدقيق المعلومات من مختلف أنحاء الوطن العربي. صُنّف 90٪ من المواد المرصودة كمحتوى «غير صحيح»، بحسب تصنيفات «مجتمع التحقّق العربيّ» المدرجة أعلاه، والتي تتضمن المواد المولدة عبر الذكاء الاصطناعي. ورُصد نحو 185 مادة مولدة عبر الذكاء الاصطناعي، دققتها المنصات الـ23. وشكلت المواد المرئية حوالي 41٪ من تلك المواد، تحديدًا الصور ومقاطع الفيديو. وارتبطت 61٪ من المواد المولدة عبر الذكاء الاصطناعي بموضوعات سياسية، و19٪ منها بمنوعات، و15٪ بموضوعات متخصصة في العلوم والتكنولوجيا. 

 

صُنِّفَت 5٪ من المواد تحت بند مواد «غير صحيحة جزئيًّا»، بينما كان 4٪ من إنتاج منصات تدقيق المعلومات عبارة عن تقارير وتحقيقات. وتقدم هذه المعلومات في شكل تقارير أو تحقيقات صحفية أصيلة من إنتاج منصات تدقيق المعلومات، وليست نتيجة تدقيق محتوى صادر عن أي جهة أخرى، بينما تذيلت القائمة المواد الساخرة، بنسبة أقل من 1٪. 

(1)

استحوذت الموضوعات السياسيّة على 72٪ من المعلومات المضللة التي دققتها المنصات الـ 23، تليها المواد المتنوعة والخفيفة، والتي تصنف كـ «منوعات» بنسبة 12٪، ثم الموضوعات الاجتماعيّة بنسبة 5٪ فقط، وشكلت الموضوعات الأخرى بما فيها الموضوعات الاقتصاديّة، والعلوم والتكنولوجيا، والرياضة، والصحة، والتقارير والتحقيقات ما نسبته 10٪ مجتمعة بنسب متفاوتة كما يوضح الشكل أدناه. 

(2)

 

أما بالنسبة للتقسيم حسب الدول، فتعد فلسطين هي أكثر الدول التي استهدفتها مواد التحقق، بنسبة 14٪، ومردّ ذلك إلى كثرة المعلومات المضلّلة التي تزامنت مع الحرب الأخيرة على قطاع غزة -منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى وقت إعداد هذا التقرير- وتشكيل غرف عمليات داخل منصات تدقيق المعلومات في مختلف الدول العربية للتصدي لها. 

تليها اليمن بنسبة 12٪ من مواد التحقق، وهو ما يتعلق بالمواد المضللة التي تخص استهداف الحوثيين للسفن في البحر المتوسط، وارتباط ذلك بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكيّة، والقضية الفلسطينيّة. ثم جاءت سوريا بنسبة 11٪ من مواد التحقق وتحديدًا في الشهر الأخير من العام، بعد سقوط نظام بشار الأسد، وما تبعه من اضطراب معلومات متعلقة بالموضوع. وجاءت مصر في المركز الرابع من مواد التحقق بنسبة 8٪، وتلتها لبنان والعراق والسعودية والسودان وإسرائيل وليبيا، بنسب تترواح بين 7٪ و 4٪ من مواد التحقق لكل منهم بالترتيب. وتوسطت الولايات المتحدة الأمريكية وإيران القائمة بنسبة 3٪ لكل منهم من مواد التحقق، وذلك بسبب الشائعات التي ارتبطت بمقتل الرئيس الإيراني، واغتيال اسماعيل هنية، وغيرها من الأحداث المرتبطة بالحرب الجارية على قطاع غزة. بينما جاءت الدول غير العربية -الآسيوية تحديدًا- في ذيل القائمة، مثل سنغافورة وطاجيستان. 

(3)


كانت أغلب المواد التي تحققت منها مؤسسات تدقيق المعلومات في العالم العربي عبارة عن  «مواد بصرية»، وتتضمن مقاطع الفيديو والصور والخرائط، تحديدًا بنسبة 41٪، تليها  «التصريحات والنصوص»، والتي تشمل المواد الصحفية والإعلامية والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، بنسبة 35٪ من إجمالي مواد التحقق، ثم جاء التحقق من البيانات والأرقام في المرتبة الأخيرة، بنسبة 22٪، الأمر الذي قد يعود إلى صعوبة حق الحصول على المعلومات والبيانات الرسمية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، والمرتبطة بغياب تشريعات الحق في الوصول للمعلومات في أغلب دول المنطقة، والمهارات التقنية التي تتطلبها عملية معالجة وتحليل قواعد البيانات مفتوحة المصدر. 

(4) 

كانت ساحة التضليل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا متخمة بموضوعات عدة في عام 2024، ولكن كان هناك 6 موضوعات بارزة بحسب تحليل البيانات التي أجراها «مجتمع التحقق العربي».

 

حرب غزة 

في الثاني من يناير 2024، دققت منصة  «متصدقش» المصرية، مقطع فيديو مصاحب لمنشور  «عملية استشهادية نوعية.. مجاهدون استولوا على مدرعة صهيونية للتمويه، وقاموا بتفخيخها وتفجيرها في عدد من دبابات»، ووفقًا لنتيجة التحقق، اتضح أن الفيديو قديم، وتحديدًا منذ 7 سنوات في العراق، وليس علاقة له بالحرب في غزة.

استحوذت مواد التحقق المتعلقة بالحرب على غزة -التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023- على من 18٪ من قاعدة بيانات  «مجتمع التحقق العربيّ» خلال العام الماضي، تحديدًا 976 مادة تحقق. 

96٪ من المواد المتعلقة بحرب غزة في قاعدة البيانات صُنّفت تحت بند «غير صحيح»، و4٪ بين «غير صحيح جزئيًا» و«تحقيقات». 

كانت نحو 55% من المواد التي تم تدقيقها عبارة عن مواد بصرية، بما في ذلك مقاطع الفيديو والصور والخرائط، والتي كان أغلبها قديمًا أوالتُقطت في مواقع جغرافية وسياقات أخرى.  

فيما جاء التصريحات والنصوص في المرتبة الثانية، بنسبة 25٪، بما في ذلك المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدًا من حسابات إسرائيليّة ناطقة بالعربية، فيما جاءت البيانات والأرقام المتعلقة بالحرب في المرتبة الثالثة بين مواد التحقق المتعلقة بحرب غزة، بنحو 21٪ من المواد.

 

(5)

 

استهداف الحوثيين للسفن في البحر الأحمر

دققت منصّة  «صدق» اليمنية في 20 فبراير 2024 مقطعَين مرئييْن مصحوبين بتعليق:  «مقطعا فيديو يظهرا غرق السفينة البريطانية 'RUBYMAR'، والتي أعلن الحوثيون استهدافها في خليج عدن».. بينما كشفت عملية التحقق على أن  «الفيديو الأول لغرق ناقلة البضائع التركية 'ATLANTIK CONFIDENCE'، قبالة سواحل جزيرة مصيرة، بسلطنة عمان، في 3 أبريل 2013.. بينما كان المقطع الثاني لإغراق البحرية البرازيلية السفينة التجارية السائبة 'STELLAR BANNER' قبالة سواحل مارانهاو، شمال شرق البرازيل، في يونيو 2020». 

وعلى هامش الحرب الإسرائيلية على غزة، انتشرت أخبار تفيد باستهداف الحوثيين للسفن في البحر الأحمر كردّ فعل على الممارسات الإسرائيلية أثناء الحرب، حتى إن 33٪ من المواد المضللة المنتَجة عن اليمن كانت تدور حول مزاعم استهداف الحوثيين لسفنٍ بمختلف الجنسيات في البحر الأحمر.

كانت بعض هذه المواد بمثابة وسائط قديمة، مثل صور أو مقاطع فيديو لوقائع سابقة وفي أماكن مختلفة، والبعض الآخر كان عبارة عن وسائط من ألعاب إلكترونية، أو مولد عبر الذكاء الاصطناعيّ، وصُنّفت جميع المواد تحت بند  «غير صحيح» وفقًا لمنهجية  «مجتمع التحقّق العربيّ». 

(6)

 

الانتخابات الأمريكية

في الرابع عشر من يوليو 2024، تداولت حسابات على منصّة «إكس» تصريحًا منسوبًا إلى الرئيس الأمريكيّ السابق  جو بايدن، ادعت أنه أدلى به قبل محاولة اغتيال ترامب بساعات، قائلًا: «سألقن دونالد ترامب درسًا لن ينساه طوال عمره ولن يترشح مرة أخرى»، في إشارة إلى ضلوع بايدن في محاولة الاغتيال.. تحققت منصة  «مسبار» من الادعاء المتداول ووجدت أنه زائف، والحقيقة هي أنه في يناير 2024، أدان الرئيس الأميركي جو بايدن في تجمع حاشد أمام مؤيديه حظر الإجهاض الذي يعرض صحة النساء الحوامل للخطر، وألقى باللائمة في هذا الأمر على عاتق دونالد ترامب. 

 

والحال أنّه في خضمّ هذه الموضوعات السياسيّة عام 2024، فقد أُطلق على العام بأكمله وصف «عام الديموقراطية» لما شهده من انتخابات في عدد كبير من دول العالم، وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية، التي شهدت كمًّا كبيرًا من المعلومات المضللة، حتى قبل الاستقرار على أسماء المرشحين النهائيين. وقد رصد «مجتمع التحقق العربيّ» ما مجموعه 141 مادة تحقق سياسيّة تدور حول الولايات المتحدة، كانت 33 مادة منهم تدور حول الانتخابات الأمريكية، أي نحو 23٪. 

 

وكانت أبرز الادعاءات تتعلق بالمرشح الرئاسي آنذاك دونالد ترامب، بنسبة وصلت إلى 67٪، خاصة شائعة محاولة اغتياله التي دققتها أكثر من منصة، يليه الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وباراك أوباما، وهيلاري كلينتون، بينما لم تتناول مواد التحقق المرشَّحة كامالا هاريس. وكانت تصنيفات جميع المواد التي جرى تدقيقها حول الانتخابات الأمريكيّة تقع تحت بند  «غير صحيحة» وفقًا لمنهجية «مجتمع التحقق العربيّ». 

(7)

 

الاقتصاد المصري

صرّح رئيس الوزراء المصريّ، مصطفى مدبولي،  في الثالث من يناير 2024، وذلك خلال مؤتمر صحفي:  «أن دعم الكهرباء النهاردة وصل لـ 90 مليار جنيه». بينما كشفت منصة  «متصدقش» المصرية أن هذا التصريح غير دقيق؛ إذ إن الحكومة المصريّة توقفت منذ 4 سنوات عن دعم الكهرباء. ووفقًا لبيانات الموازنة العامة المصريّة، فإن دعم الكهرباء منذ العام المالي 2019/ 2020 وحتى عام 2023/ 2024، يساوي «صفر».

 

وكان الاقتصاد هو اللاعب الرئيسيّ، خاصة مع تحرير سعر صرف الجنيه المصري مرة أخرى، كذلك قضية الديون الخارجية، ومستجدات صفقة رأس الحكمة. 

 

وقد رصدَ  «مجتمع التحقق العربيّ» نحو 111 مادة حول الاقتصاد المصريّ، نحو 30٪ من المواد تناولت زيادة الأسعار أو نقص السلع في الأسواق المصريّة مثل الأدوية، وأزمات التضخم في مصر، و21٪ منها تناولت قضايا التنمية بمختلف مظاهرها وبشقيها السلبيّ والإيجابيّ؛ مثل البطالة والطاقة والمشروعات القومية. وجاءت الموضوعات المتعلقة بالدين الخارجي والقروض والمنح وتأثيرها على الاقتصاد المصريّ في المرتبة الثالثة، بنسبة 10٪، بالتساوي مع القضايا المتعلقة بالزراعة وتوفير الغذاء.

(8)

 

أولمبياد باريس

في السادس من أكتوبر 2024، تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعيّ ومواقع إخبارية رياضيّة، ادعاءً يزعمُ أنّ  «منظمة الملاكمة العالمية (WBO) قررت إيقاف اللاعبة الجزائرية إيمان خليف عن ممارسة رياضة الملاكمة الاحترافية مدى الحياة وتجريدها من الألقاب التي حصلت عليها، بعد ظهور نتائج اختبارات تشير إلى ارتفاع مستويات هرمون الذكورة لديها». بينما كشفت منصة  «تأكد» السوريّة أن الادعاء ملفقٌ؛ إذ إنّ اللجنة الأولمبيّة والرياضيّة الجزائريّة ردت رسميًا على هذا الادعاء، ووصفت مثل تلك الادعاءات بأنها  «مجرد حملة ممنهجة ضد الجزائر واضحة المصدر للتشويش على النجاح الباهر للبطلة الأولمبيّة». 

 

لم تخل الرياضة من المعلومات المضللة في عام 2024 أيضًا، وتحديدًا فيما يتعلق بحدث عالمي مثل  «أولمبياد باريس»، والذي كان له أبعاد سياسيّة واجتماعيّة وجندريّة أيضًا. 

 

رصد «مجتمع التحقق العربيّ» 36 مادة من إنتاج منصات تدقيق المعلومات حول أولمبياد باريس، 10 منها تناولت موضوعات لها علاقة بفرنسا مباشرة، وجاءت الجزائر في المرتبة الثانية بنحو 6 مواد، بسبب قضية الملاكمة الجزائرية إيمان خليف. وتناولت 4 مواد أخرى الشأن المصريّ. 

(9)



الحملات الإلكترونية المنسقة خلال 2024: مؤشرات وأطراف فاعلة  

تُعرَّف الحملات الإلكترونيّة المنّسقة بـ«السلوك غير الأصيل المنسّق»؛ وهو أسلوب اتصال تلاعبيّ يستخدم مزيجًا من حسابات مواقع التواصل الاجتماعيّ الأصلية والمزيفة والمكررة؛ لنسج شبكة عدائية تعمل عبر منصات وسائط اجتماعية.

 

يعدّ هذا التعريف هو الأقرب لجوهر عمل منظمة «مجتمع التحقق العربي»؛ فهو يستبعد الحملات المنسقة غير الإلكترونية، التي تطلقها وسائل الإعلام التقليدية لصالح طرف أو ضد طرف آخر، كما يستبعد الحملات الإلكترونية الموجهة لأفراد معينين ومجموعات بعينها، بناءً على تحليل بياناتهم وتفضيلاتهم؛ ومن ثم إرسال رسائل تجاريّة أو سياسيّة لهم مثلما حدث في الانتخابات الأمريكية 2016. كما يستثني هذا المفهوم الحملات التجاريّة والدعائيّة الإلكترونيّة المنسقة التي تستهدف التأثير في سلوك المستهلك، وتوجيهه نحو الإقبال على منتجٍ بعينه. وفي أغلب الأحيان، تنطلق الحملات الإلكترونيّة من حسابات وهميّة في معظمها، تقف جهة ما وراء برمجتها؛ لتعمل على التفاعل على الوسوم، والحشد لصالح طرف ما أو ضد جهة ما. 

 

تتنوّع أشكال الحملات الإلكترونيّة ما بين حسابات آلية (Bots) تنفذ مهام مبرمجة، وأخرى يديرها أفراد أو جهات بشكل منسق، إضافة إلى حسابات حقيقية تشارك في حملات موجهة، وجميعها تسعى للتأثير على الرأي العام بطرق غير تلقائيّة. ومع تطور هذه الحملات، اعتمدت الحسابات على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوليد الصور ونشر محتوى متنوع يخفي طبيعتها، مما صعّب من عملية رصدها. وقد دفع هذا التطور «مجتمع التحقق العربيّ» إلى استخدام أدوات وتقنيات أكثر تطورًا، مثل Meltwater وCrowdtangle (قبل أن توقفها «ميتا»)، إلى جانب أدوات كشف المحتوى المصنّع بالذكاء الاصطناعي. ويركز هذا التقرير على التحليل الإحصائي للحملات التي رُصِدَت خلال العام، لاستخلاص الاتجاهات والتوصيات، دون التطرق لتفاصيل المنهجية التي يمكن الرجوع إليها عبر مقالنا المنشور على IJnet.

 

من المهم الإشارة إلى أن هذا التقرير يسلّط الضوء على عدد معين من الحملات الإلكترونية والسلوك غير الأصيل في المنطقة خلال عام 2024، دون أن يشمل كل الحملات من هذا النوع؛ نظرًا لصعوبة الرصد الإحصائي وتغير الأولويات تبعًا للأحداث المتسارعة، وعلى رأسها الحرب على قطاع غزة وتداعياتها الإقليميّة.

 

شكّلت النزاعات العسكريّة محورًا رئيسيًا للحملات الإلكترونيّة المنسّقة التي يحللها هذا التقرير، في ظل تعدد بؤر الصراع في المنطقة، من اليمن وليبيا والسودان، إلى الحرب على قطاع غزة التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وامتدت لاحقًا إلى لبنان في سبتمبر/أيلول 2024، ثم اشتعلت الأوضاع مجددًا في سوريا مطلع ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه. تصدّرت الموضوعات المرتبطة بالحروب هذه الحملات بـ26 حملة من أصل 42، فيما استأثرت الحرب في غزة، وتداعياتها الممتدة، بالحصة الكبرى عبر 18 حملة.

 

لقد كان جزء من الحملات التي رُصِدَت خلال الحرب الجارية على قطاع غزة حملات مباشرة، مثل  الحملة التي شنتها حسابات إسرائيليّة واستهدفت صحافييْ قناة الجزيرة عقب استهدافهما بطائرة مسيرة في فبراير/شباط 2024، واستمرار هذه الحملة وتطورها في أكتوبر/تشرين الأول، عندما أصدر الجيش الإسرائيليّ بيانًا يتهم صحفيين في غزة بالانضمام إلى حركة «حماس»، إلى جانب الحملة الإسرائيلية التي ركزت على الأونروا في أواخر مارس/آذار 2024. ومن ناحية أخرى، رُصِدَت مجموعة من الحملات غير المباشرة، وهي تلك التي تتناول قضية غزة بشكل غير مباشر، مستهدفة الأطراف الإقليميّة المنخرطة في الصراع سواء عسكريًّا أو دبلوماسيًّا. من أمثلتها الحملة التي أطلقتها حسابات وهمية للترويج لهجمات ميليشيات عراقيّة على إسرائيل، وحملة التشويه ضد التظاهرات الأردنيّة المناهضة للحرب على غزة، إلى جانب حملة أخرى تناولت ردود فعل الميليشيات العراقيّة على قرارات الأردن المتعلقة بالحرب.

 

كما اشتدت مبكرًا الحملات الإلكترونية الموجهة ضد داعمي حزب الله، الذي تصاعد انخراطه في مناوشات عسكرية مع إسرائيل بلغت ذروتها لتتحول إلى حرب في سبتمبر/أيلول 2024. ومن ضحايا هذه الحملات كانت الراهبة اللبنانية مايا زيادة، التي تعرضت لاستهداف إلكتروني، بعدما أعربت عن دعمها للمقاتلين في جنوب لبنان، داعية إلى «الصلاة للجنوب».

 

وبعيدًا عن ساحات الحرب في غزة، امتدت الحملات الإلكترونية لتصل إلى المواقف الدبلوماسية، فسارعت حسابات سعودية إلى نسب الفضل في اعتراف بعض الدول بفلسطين لجهود المملكة، وهو ما ردت عليه حسابات إماراتية بالتشكيك ناسبةً الفضل للإمارات المتحدة في هذا الاعتراف. 

 

في حادثة فريدة، أشعل الإعلان عن هوية قتيل إسرائيليّ موجة من الحملات الإلكترونيّة بين الجزائر والمغرب، تخللتها معلومات مضللة أطلقتها حسابات جزائرية زعمت أن القتيل من أصول مغربية، ليرد الجانب المغربيّ بادعاء مقابل بأن أصوله جزائرية، وهي مزاعم أثبت التحقق عدم صحتها.

 

ورويدًا رويدًا كان لبنان يدخل إلى دائرة الصراع الإلكترونيّ، الذي بدأت وقائعه مع إطلاق حملة «شيعة ضد الحرب»، والتي أسفر تحليلنا لها بأنها حملة منسقة سعودية وإماراتية، وبمشاركة حسابات قوى لبنانية غير شيعية تتدعي أن الشيعة كافّةً ضد الحرب، وهي مزاعم غير صحيحة جزئيًا. فإن كان بعض الشيعة يرفضون الحرب، فالبعض الآخر يؤيد قرارات حزب الله بإسناد ودعم غزة، كما أن تدخل قوى أخرى في هذه الحملة صبغها بصبغة دعائيّة. 

 

واكتسبت الحملات طابعًا تضليليًا عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران في يوليو/تموز 2024. برزت في هذه الحملات حسابات خليجيّة ومصريّة اتهمت هنية بتدبير عمليات إرهابية في مصر عقب الإطاحة بالرئيس السابق المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي. وبعد مقتله، أطلقت حملة إلكترونية منسقة، تنضح بالطائفية، تتهم الشيعة باغتيال هنية؛ الأمر الذي دفع بعض الشيعة إلى تنظيم حملة مضادة منسقة ضد السنة تتهمهم بـ«التحالف مع إسرائيل». 

 

اللافت في الحملات الإلكترونية المرتبطة بالحرب في غزة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، هو الانقسامات الحادة بين القوى الداعمة لغزة عسكريًا؛ مثل حزب الله في لبنان وميليشيات العراق، وبين القوى الأخرى التي تفضل اتّباع مسارات دبلوماسية؛ مثل مصر والأردن. كما عكست هذه الحملات الانقسامات داخل البلد الواحد؛ ففي لبنان، برزت حملات مناهضة لمواقف حزب الله أو لمؤيديه، في مقابل حملات أخرى داعمة له. أما في الأردن، فاستهدفت الحملات المظاهرات الشعبيّة المؤيدة لغزة.

وأثارت هذه الحملات الانتباه بسبب الترويج الواسع للمعلومات المضللة؛ إذ لم يقتصر الأمر على محاولة فرض سردية معينة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، بل امتد إلى بث معلومات مغلوطة ضمن هذه السرديات، كما تجلى في ردود الأفعال على مقتل إسماعيل هنية.

واللافت للنظر هو تكرار نمط الحملات المنسقة خلال أحداث الصراع في الشرق الأوسط. فعند اغتيال إسماعيل هنية، انتشرت وسوم تعبر عن الشماتة بمقتله، شاركت فيها حسابات وهمية وموجهة، أغلبها سعوديّة ومصريّة، كما روجت بعضها لمعلومات مضللة. وقد تكرّر المشهد نفسه عند اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، حيث استُقبل خبر اغتياله بحملة شماتة مشابهة أطلقتها حسابات سعوديّة ومصريّة، تضمنت أيضًا تداول معلومات مضللة حول شخصه وأدواره.

 

كما يلفت الانتباه تقاطع الحروب مع النزعات الطائفيّة والعنف الجندريّ، وهو ما تجلى بوضوح في حملة أُطلقت تحت عنوان «جهاد السلة». استهدفت هذه الحملة النازحات من الجنوب، متهمةً إياهن بالحصول على سلال غذائية مقابل تقديم خدمات جنسية، عبر ترويج معلومات مضللة ونشر مقاطع فيديو مفبركة؛ ما ساهم في تأجيج خطاب الكراهية والإساءة ضدهنّ.

 

نزاعات أقل حدة 

لم تغب النزاعات الأخرى في الشرق الأوسط عن ساحات المعارك الإلكترونيّة. وعلى الرغم من أن هذه النزاعات قد تبدو منفصلة عن بعضها البعض، إلا أنّها تشترك في أنماط وأساليب مشابهة، أبرزها الحملات المنسقة المدفوعة من الخارج، نشر المعلومات المضللة، وتأجيج الانقسامات الطائفيّة والسياسيّة.

 

في اليمن، على سبيل المثال، برزت حملتان إلكترونيتان شاركت فيهما جهات إماراتية بشكل لافت، في سياق دعمها للمجلس الانتقالي الجنوبيّ في مواجهته مع الحكومة اليمنيّة. أمّا في السودان، فقد تجلّى الحضور الإماراتيّ من خلال دعمها لقوات الدعم السريع، وهو ما انعكس في حملات رقمية تروّج لروايات تصبّ في مصلحة هذه القوات، في إطار مساعٍ لتوجيه الرأي العام بما يخدم حلفاءها في النزاع.

 

كما انطلقت أيضًا، في اليمن، حملة إلكترونيّة منسّقة ضد رئيس لجنة اعتصام أبناء محافظة المهرة، الشيخ علي سالم الحريزي، بعد توجيهه انتقادات إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، ما استدعى إنتاج فيديوهات وتصميمات عالية الجودة، تحمل انتقادات للحريزي، بحيث جرى نشرها على نطاق واسع بين حسابات داعمة للإمارات.

 

وفي السودان، رصدنا مشاركة بعض الحسابات التي أطلقت حملة انتقاد الحريزي في حملة أخرى تدافع عن مصالح الإمارات في السودان، وتروج لدورها في دعم السودان، في المقابل انتقد مطلقو الحملة الجيش السوداني لاعتماده على إيران في التسليح. 

 

وقد قوبِلت هذه الحملة بحملة أخرى منسقة داعمة للجيش السودانيّ، وتتهم الإمارات بالتورط في مد قوات «الدعم السريع» بالمال والسلاح؛ لمواصلة الحرب. وأطلقت الحملة حسابات داعمة للجيش السوداني عبر وسوم #الإمارات_تقتل_السودانيين و#الإمارات_ترعى_الإرهاب و#الإمارات_تسلح_ميليشيا_الدعم_السريع. 

 

ونظرًا لوجود الإمارات عامل مشترك بين الصراع اليمني والسوداني، نشطت حسابات يمنية مناهضة للإمارات؛ مثل حساب الصحفي اليمني أنيس منصور، للترويج لوسوم الحملة. 

 

الأمر نفسه ينطبق على التدخل المصري في الصراع الليبي، الذي عاد إلى الواجهة مرة أخرى عقب استقبال مصر رئيس الحكومة المؤقتة بشرق ليبيا، أسامة حماد، ما استدعى انتقادات من جانب حكومة الوحدة الوطنية القائمة في طرابلس.

 

كما ألقى الانقسام الليبي ودعم مصر لحكومة الشرق بظلاله على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ انطلقت على وسم #الشعب_المصري_يدعم_وحدة_ليبيا حملات إلكترونية منسقة، تدعم غالبيتها القوى السياسية والعسكرية في الشرق، مقابل مهاجمة حكومة عبد الحميد الدبيبة الانتقالية في طرابلس. 

 

وتدخّلت القوى الشيعية المرتبطة بإيران في النزاع العسكري في سوريا؛ إذ أطلقت حملة إلكترونية مع مطلع كانون الأول/ديسمبر لمواجهة تقدّم الفصائل المسلحة. تضمّنت الحملة تحريضًا على استخدام البراميل المتفجرة، التي سبق أن استخدمها النظام السوري خلال السنوات الأولى من الحرب، وأسفرت عن مقتل عدد كبير من المدنيين. وفي السياق ذاته، انطلقت من تركيا حملة منسّقة دعمت نشاطًا إلكترونيًا على حسابات سوريّة، استهدفت قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، وحرّضت ضد الأكراد.

 

السياسة والصراع الداخليّ 

في المرتبة الثانية، تأتي الحملات المنسقة ذات الصبغة السياسية؛ لا سيما تلك الحملات المرتبطة بالانتخابات. فقد رصدنا ست حملات إلكترونية منسقة؛ ثلاث حملات منها تعلقت بالانتخابات في كل من الجزائر وتونس والأردن. وعلى عكس الصراعات والنزاعات المسلحة، فإن الصراع في مجال السياسة المتمثل في الانتخابات لم يشهد تدخلات من قوى إقليمية للتأثير في مجرياته. 

 

وقد تقاطعت عواملُ أُخرى مع الحملاتِ الإلكترونيّةِ المُنسَّقة المرتبطة بالانتخابات، إذ ارتبطت الانتخاباتُ في الجزائر بأنماطٍ من التمييز الجندريّ تجاه المُرشَّحات، اللواتي تعرَّضن لهجماتٍ رقميّة مُنظَّمة تستهدف ترشّحهنّ على أُسُسٍ تتعلّق بنوعهنّ الاجتماعيّ. وقد استُخدِم خطابُ الكراهيّة بكثافةٍ في هذه الحملات، ما أدّى إلى ترسيخِ الصور النمطيّة التمييزيّة بحقّ النساء في الساحة السياسيّة، لا سيّما مع تصاعد الهجماتِ الإلكترونيّة التي هدفت إلى الحيلولة دون مشاركتهنّ الفاعلة في العمليّة الانتخابيّة.

 

الأمر الثالث الملاحظ في الحملات الإلكترونيّة المنسقة في سياق الانتخابات هو اقترانها المستمر بالمعلومات المضلّلة. فعلى سبيل المثال، إحدى الحملات التي استهدفت أحد مرشحي «جبهة العمل الإسلامي» في الأردن اعتمدت على فيديو مضلل جرى تقطيعه من سياقه وروجت له على أنه يظهر المرشح وهو يعتدي على أحد المحال التجارية. وفي تونس، كرَّست صفحات ومجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي مساحات واسعة لنشر معلومات مضللة ضد منافسي الرئيس قيس سعيد، فيما ردت صفحات أخرى بترويج معلومات زائفة تدعي أن قيس سعيد استُدعيَ أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة «الاضطهاد السياسيّ»، وهو ما لم يحدث.

 

كما أظهرت الانتخابات التونسية، وللمرة الأولى، استخدام شبكة من الصفحات المؤيدة للمرشح الرئاسي العياشي زمال للإعلانات الإلكترونية الممولة على فيسبوك لدعمه. ومع ذلك، قامت «ميتا» بحذف العديد من هذه الإعلانات، مبررة ذلك بأنها «لم تتبع معايير الإعلان لدينا»، حيث لم تتضمن الإفصاح عن المعلن أو وضع علامات تشير إلى أنها إعلانات ممولة، ما أثار تساؤلات حول شفافية الحملات الرقمية خلال الانتخابات.

 

أمّا فيما يتعلّق بالحملاتِ الأُخرى ذاتِ الطابعِ السياسيّ، فقد انطلقت إحداها من مصر، ردًّا على انتقاد حفيدِ الرئيسِ المصريّ الراحل محمد حُسني مبارك للأوضاعِ الاقتصاديّةِ الصعبة التي يُعاني منها المواطنون. إذ عقدَ مقارنةً بين الوضعِ الراهن في ظلّ النظامِ الحاليّ، والوضعِ خلال فترةِ حُكمِ جدّه، ما استدعى إطلاقَ حملةٍ إلكترونيّةٍ مُنسَّقة، شاركت فيها حساباتٌ وهميّةٌ وأُخرى حقيقيّة مؤيّدة للنظام الحاي. وهدفت الحملةُ إلى الردّ على الانتقادات من خلال مهاجمةِ الأوضاعِ التي سادت في عهدِ الرئيسِ الراحل، في محاولةٍ لتبرير الواقعِ القائم.

 

لم تغب حملات الحكومة على المعارضة في السعودية، التي تتقاسم مع مصر والعراق النسبة الأكبر في المشاركة في الحملات الإلكترونية المنسقة عبر شبكة من الحسابات المؤيدة للحكومة وولي العهد السعودي. إحدى هذه الحملات ذات الصبغة السياسية كانت ضد المعارض السعودي سالم القحطاني، الذي انشق عن سلاح الجو وأعرب عن معارضته لما وصفه بـ«حماية صاحب السلطة تحت غطاء من الأحاديث الدينية الانتقائية». كما تحدث عن تردي أوضاع العسكريين والمتقاعسين، في حين أن «مئات الملايين تحترق على حفلات لا تقدم قيمة حقيقية»، وفقًا لقوله. وردت الحسابات المؤيدة للحكومة على القحطاني بتوجيه اتهامات له بأنه «مضطرب نفسيًا» و«مدمن»، في محاولة لتشويه صورته.

 

وفي مصر، شنت حملة واسعة النطاق ضد الناشط السياسيّ أحمد دومة ومرشح الرئاسة الأسبق، حمدين صباحي، على خلفية انتقادهما لما يُتداول عن رسو السفينة «كاثرين»، التي زُعم أنها محملة بأسلحة كانت في اتجاهها إلى إسرائيل. استخدمت الحملة خطابًا تحريضيًا يدعو إلى إلقاء القبض على كل من أبدى اعتراضًا على رسو السفينة، في محاولة لتشويه صورة المعارضين واتهامهم بالتسبب في نشر الشائعات.

 

القاسم المشترك بين العديد من الحملات الإلكترونية المنسقة هو استخدام خطاب الكراهية والتحريض ضد المعارضين. فقد استُخدمَ هذا الخطاب ضد المرشحات الجزائريات، وضد معارضي الرئيس قيس سعيد. كما وُظِّفَ كأداة في المعركة الانتخابية في الأردن، وأيضًا في الهجوم على المعارض السعودي، سالم القحطاني. هذا الخطاب كان يهدف إلى تشويه سمعة المستهدفين وتحفيز الجماهير ضدهم، ما يعكس استغلال التكنولوجيا في تعزيز الانقسامات السياسيّة والاجتماعيّة.

 

كما يثير هذا تساؤلات حول فاعلية سياسات مواقع التواصل الاجتماعي في مكافحة خطاب الكراهية، التي تنص عليها مدونة الأخلاقيات ومعايير المجتمع المعلنة. 

 

الفئات الأكثر هشاشة 

تقع الأقليّات والمهاجرون واللاجئون ومجتمع الميم في مرمى الحملاتِ الإلكترونيّةِ المُنسَّقة، لا سيّما تلك التي تُروِّج لخطابِ الكراهيّة ضدّهم. وتُدعَم هذه الحملاتُ بمعلوماتٍ مُضلِّلة تهدف إلى تشويهِ صورة هذه الفئات، وتأليبِ الرأيِ العامّ عليها. وقد رصد «مجتمع التحقّق العربي» ثلاثَ حملاتٍ رقميّة مُنسَّقة ترتبط بالنوعِ الاجتماعيّ والهُويّة الجندريّة، وتقترن بخطابِ كراهيّةٍ ومضامين مُضلِّلة.

 

تُعرِّف الأممُ المتّحدة خطابَ الكراهيّة بأنّه أيّ شكلٍ من أشكالِ التواصُل -سواء أكان شفهيًّا أم كتابيًّا أم سلوكيًّا- يتضمّن لغةً تنطوي على ازدراءٍ أو تمييزٍ تجاه فردٍ أو جماعةٍ بناءً على الهُويّة، أو الدين، أو الانتماءِ الإثنيّ، أو الجنسيّة، أو العِرق، أو اللون، أو النسب، أو النوعِ الاجتماعيّ، أو أيّ عاملٍ آخر يُحدِّد الهُويّة؛ ممّا يُشكّل تهديدًا للسِّلمِ الاجتماعيّ.

 

ويعرّف «منتدى حوكمة الإنترنت» التضليل القائم على النوع الاجتماعيّ بأنه نوع من التضليل الذي يمسّ الأشخاص بناءً على نوعهم الاجتماعي، ويسخر السرديات الجندريّة النمطيّة؛ لتحقيق أهداف سياسيّة أو اجتماعيّة أو اقتصاديّة.

وكثيرًا ما يتقاطع التضليل القائم على النوع الاجتماعي مع العنف القائم على النوع الاجتماعي المستند إلى التكنولوجيا؛ وهو العنف الذي يحدث عبر الوسائط الرقمية والتكنولوجية، ويستهدف الأفراد بناءً على نوعهم الاجتماعي. يشمل هذا النوع من العنف استخدام التكنولوجيا لارتكاب أفعال تتضمن إيذاءً أو تشهيرًا؛ ما يتسبب في إلحاق الضرر بالأفراد استنادًا إلى نوعهم الاجتماعي. 

 

أولى هذه الحملات استهدفت الفتاة المصرية نيرة الزغبي، المعروفة باسم «فتاة العريش»؛ إذ تعرضت الزغبي لحملة تشويه سمعة بعد وفاتها مطلع هذا العام. استهدفت الحملة تشويه سمعتها بزعم دخولها في علاقة خارج إطار الزواج، في محاولة لإضعاف التعاطف الشعبي معها وتوجيه الاتهامات الأخلاقية ضدها. وشهدت هذه الحملة ترويج معلومات مضللة تزعم «انتحار الفتاة»، وهو ما استدعى تحذيرًا من النيابة العامة من «نشر معلومات كاذبة» بشأن هذه الواقعة، بعد السماح بتشريح جثة الطالبة. 

 

وقد رصدنا اقتران التضليل الجندريّ بقضايا السياسة، كما أسلفنا في عرضنا للحملة التمييزية الإلكترونيّة التي تعرَّضت لها المُرشَّحات للانتخابات الرئاسيّة الجزائرية لعام 2024. يشير تحليل الحملة إلى تعمُّد تشويه سمعة المرشَّحات وتمييزهنّ بناءً على جنسهنّ؛ حيث جرى الترويج لفكرة مفادها أن الحكم والمناصب ليست من اختصاص النساء، وأن الرجال هم الأجدر بها، بغضّ النظر عن قدرات السيدات أو مدى أهليّتهنّ لتولّي المناصب وبرامجهنّ الانتخابيّة.

 

وأتى العراق على رأس الدول التي شهدت حملات إلكترونية منسقة تتعلق بالأمور الجندرية؛ إذ قادتها القوى الشيعية التي شنت حملات كراهية ضد «مجتمع الميم». استهدفت هذه الحملات التشويه والتحريض ضدهم، في محاولة لدعم إصدار قانون يجرم العلاقات المثليّة الجنسية.

 

كما اشتعلت حملة إلكترونية منسقة مدعومة من القوى الشيعية لتأييد التعديلات القانونية المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي، وتشويه المعارضين لهذه التعديلات. اعتمدت الحملة على توليد صور باستخدام الذكاء الاصطناعي لخلق مشاهد مظاهرات مزعومة تدعم التعديلات؛ بهدف تعزيز التأييد الشعبي لهذه التغييرات القانونيّة.

 

وأضِف إلى التحريض ونشر المعلومات المضللة في مثل هذه الحملات باستخدام الذكاء الاصطناعي، فقد لوحظ نشاط شبكة من الحسابات الوهمية لديها عدد متابعين منخفض، والتي تهدف إلى إعادة مشاركة المحتوى وتضخيم النشاط على الوسوم. هذه الحسابات تعمل على تضليل الرأي العام من خلال إظهار زيف الدعم الشعبي؛ ما يخلق انطباعًا مزيفًا عن حجم التأييد أو المعارضة لقضايا معينة، وبالتالي تسهم في توجيه الرأي العام.

 

أما في المرتبة الثانية بين الفئات الأكثر هشاشةً وتعرضًا للحملات الإلكترونيّة المنسَّقة، يأتي اللاجئون والمهاجرون. وقد تركز الهجوم المنسَّق عليهم من مصر، حيث شهدت البلاد حملاتٍ لنشر معلومات مُضلِّلة عن عدد اللاجئين السودانيين والسوريين، خاصّة بعد وصول السودانيين إلى مصر عقب اندلاع الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2023.

 

وحلل «مجتمع التحقق العربيّ» ثلاث حملات موجهة ضد اللاجئين السوريين والسودانيين، إحدى هذه الحملات انطلقت على وسم «بلغ عن لاجئ» الذي تتضمن حملة منسقة ضد اللاجئين في مصر، تحتوي على كلمات وتعبيرات تنطوي على خطاب الكراهية؛ بعضها يُقلل من قدر اللاجئين ويجردهم من الإنسانية، فيما يُحرض البعض الآخر ضدهم. واستهدفت هذه الحملة على وجه الخصوص السودانيين، ناشرة فيديوهات مضللة عن عمليات ترحيل وهميّة للاجئيين السودانيين من مصر. 

 

وسبقت هذه الحملة حملة أخرى دعت إلى مقاطعة محال السوريين في مصر، مع إعادة نشر أخبار عن غلق محال سورية بزعم استخدامها لحوم منتهية الصلاحية، ونشطت شبكة حسابات وهمية لدفع هذه السردية إلى قائمة الموضوعات الأكثر رواجًا في مصر. وأطلقت هذه الحملة حسابات مصرية داعمة للنظام المصري، كما سبق لها أن هاجمت منتقديه، إلى جانب مشاركتها في فاعليات رسمية بدعوة من الجهات الحكومية. 

 

كما نشطت الحسابات ذاتها عند الموافقة المبدئية من البرلمان المصري على مشروع قانون «لجوء الأجانب»، مُطلقةً ثمانية وسوم تحرض ضدّ اللاجئين، وتروج مزاعم عن تسبّبهم في الأزمة الاقتصاديّة في مصر، وارتفاع تكلفة المعيشة، خاصة إيجارات الوحدات السكنية. 

 

في النهاية، تظهر الحملات المنسقة التي تستهدف الفئات الأكثر هشاشةً بشكل عام تعمّدًا لنشر المعلومات المضللة وخطاب الكراهية، مدعومةً بشبكة من الحسابات الوهمية لنشر رسائلها. كما تتقاطع هذه الحملات مع السياسة، إذ تنطلق تارة من حسابات محسوبة على قوى سياسية طائفيّة أو حسابات داعمة للحكومة أو النظام تارة أخرى.



تحليل شبكة الحسابات 

ينقسم هذا المحور إلى قسمين: الأول يتناول أكثر الدول التي كانت موضعًا للحملات الإلكترونيّة المُنسَّقة، والثاني يستعرض أكثر الدول التي انطلقت منها هذه الحملات.

 

ويشير تحليلنا للبيانات إلى أن مصر هي أكثر دولة كانت موضع حملات إلكترونية؛ بإجمالي عشر حملات، تليها السعودية التي شهدت أربع حملات، بالتساوي مع لبنان وفلسطين، والعراق بثلاث، يتبعه السودان بحملتين، ويتساوى معه الأردن.

 

ويلاحظ إطلاق حملات ذات طابع إقليمي، أي تلك الحملات التي تُطلق من عدة بلدان في الوقت نفسه تفاعلًا مع حدث إقليمي؛ مثل الهجمات الإيرانية على إسرائيل، أو مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله. 

 

وأطلقت حسابات مصرية 13 حملة، متربعة على قمة الدول التي تنشط فيها حسابات تشارك في حملات إلكترونية، تليها السعودية بإجمالي عشر حملات، وحلت في المرتبة الثالثة العراق بإجمالي تسع حملات، والرابعة الإمارات بإجمالي مشاركة في ثماني حملات، ورابعًا لبنان بمشاركة في ست حملات إلكترونية منسقة.

 

ويلاحظ هنا ظهور أن عدد الحملات التي صدرت من دول؛ مثل: مصر والسعودية والإمارات والعراق، أكثر من عدد الحملات التي تناولت شؤونًا مصرية وسعودية وإماراتية وعراقية، نظرًا لأن الحملات الإلكترونية التي تطلق من هذه الدول تتعاطى مع قضايا إقليمية، وتعكس هذه الحملات الإلكترونية المنسقة مصالح حكومات هذه الدول وتدافع عنها. 

برزت بشكل لافت الحملات الإلكترونية التي انطلقت من مصر خلال الحرب على غزة، خصوصًا عند التفاعل مع أحداث؛ مثل مقتل هنية ونصر الله، ومزاعم طرد حركة حماس من قطر. ولم تقتصر هذه الحملات على غزة فقط، بل امتدت أيضًا إلى السودان؛ إذ دعمت الموقف المصري المناهض لقوات الدعم السريع والمؤيد للجيش السوداني.

ينطبق الأمر نفسه على السعودية، التي اشتبكت لجانها الإلكترونية مع المظاهرات الأردنية المناهضة للحرب على غزة، وروجت دعاية عن دور السعودية في الاعتراف الدولي بفلسطين، وشاركت في حملات ذات طابع طائفي، مثل حملة «شيعة ضد الحرب»، و«الشيعة اغتالوا هنية»، وباركت الشبكات الاجتماعية المتصلة بها مقتل كل من هنية ونصر الله، وروجت مزاعم عن طرد حركة حماس من قطر. 

 

أمّا الدولة التي ينطبقُ عليها هذا المبدأ أكثر من غيرها فهي الإمارات، رغم أنها لم تستهدف بأي حملة إلكترونية منسقة، إلا أن اللجان الإلكترونية التابعة لها شنت حملات منسقة للدفاع عن مصالح الدولة الخليجيّة في الصراعات الإقليميّة، بخاصة في فلسطين واليمن والسودان.

 

جيوش إلكترونية منظمة 

لوحظ أن كل دولة من الدول النشطة في الحملات الإلكترونية المنسقة، يوجد بها شبكة حسابات اعتادت على إطلاق الحملات و/أو المشاركة فيها. ويوجد في كل دولة حسابات يمكن أن يطلق عليها «مطلقي الصفارة»؛ وهي الحسابات التي أطلقت الحملة. كما توجد حسابات أخرى -تحظى غالبًا بعدد متابعين أقل- تشارك في هذه الحملات بالتفاعل (إعجابات، إعادة مشاركة، ردود، تعليقات مقتبسة). وتسمي بعض الحسابات على منصة إكس نفسها بأسماء واضحة تدلل على توجهاتها؛ مثل «الجيش السلماني الإلكتروني» و«الصقور الرقميّة السعوديّة». كما تجمعت حسابات في مجموعات عبر «فيسبوك»، وتحمل أسماءً تعبر عن توجهاتها؛ مثل: «التحالف المصري لإعلام السوشيال ميديا»، وسبق أن حضر بعض مديري المجموعة فعاليات رسمية؛ مثل: «إفطار الأسرة المصرية» و«منتدى شباب العالم». 

 

وفي مصر، يظل حساب باسم المصري -المعروف باسم «المايسترو»- هو الأبرز على منصة «إكس»، واعتاد أن يطلق حملات إلكترونيّة، سيّما تلك الحملات الموجهة ضد اللاجئين. وأسفر بحثنا أن باسم المصري اسمه الحقيقي باسم بخيت، وهو يعيش في ضاحية عين شمس، بالقاهرة. ويتحايل «المايسترو» على سياسات منصة «إكس»، وذلك بتغير معرف الحساب مرة تلو الأخرى، ويوجد له عدة حسابات على منصة «إكس»، ويدعو «المايسترو» بشكل مباشر إلى نشر الوسوم، ويبين الغرض منها، وتحمل بعض الوسوم التي نشرها تحريضًا مباشرًا؛ مثل وسم «#بلغ_عن_لاجئ»، الذي دعا فيه إلى «مساعدة وزارة الداخلية في معرفة تواجد اللاجئين أو المقيمين غير الشرعيين، ومعرفة هل تم التقنين (تقنين أوضاعهم)، أم وجد ترحيلهم».

 

كما ينشط «الجيش السلماني الإلكتروني» للدفاع عن مصالح السعودية، ويتبني نهجًا محرضًا ومهاجمًا لمنتقدي النظام السعودي، ويضم هذا التكتل مئات الأعضاء، ويعمل كمجموعة ضغط بالتنسيق مع شخصيات سعودية في الفضاء الإلكتروني، فضلًا عن امتلاكه جيشًا من الحسابات الوهمية. وإلى جانب الحملات، يضم هذا التكتل العديد من الأقسام للقيام بمهام مختلفة؛ مثل: عمليات الاختراق، والاستيلاء على الحسابات.

 

وفي ظل تصاعد التوتر السياسي في المنطقة، وظهور سرديات تنتقد السعودية، وتدافع عن مصالح القوى المؤيدة لإيران، ظهرت تكتلات فرعية داخل «الجيش السلماني الإلكتروني» مثل تكتل «الصقور الرقمية السعودية»، وينشط هذا التكتل على منصة «إكس» عبر حسابات قوامها نحو 16 ألف عضو. ويدير هذا التكتل الرقمي حساب سلمان بن حثلين، الذي ينشط منذ سنوات في حملات البروباغندا السعودية، ويتابعه أكثر من 517 ألف حساب. 

 

وتوجد في الدول الخليجية مجموعة حسابات تبدأ باسم الردع؛ مثل «الردع السعودي» و«ردع أبو ظبي»، ويلاحظ أن حساب الردع السعودي يعرف نفسه بأنه مؤثر اجتماعي، وهي صفة اعتادت الحسابات السعودية واليمنية أن تسمي نفسها به تعبيرًا عن نشاطها الإلكتروني، ويضع حساب «الردع السعودي» صورة غلاف تتطابق مع صورة غلاف مجموعة «الصقور الرقمية السعودية». ويعمل حساب «الردع بوظبي» على شن حملات إلكترونية منسقة أو المشاركة في حملات تدافع عن التوجهات الرسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

 

وأكثر ما يميز الحملات الإلكترونية الإماراتية هو التنسيق مع مجموعة حسابات تدافع عن مصالح الإمارات في دول الصراع، وتتبادل هذه الحسابات المشاركة في الحملات؛ فمثلا تتشابه طريقة إنتاج مواد حملة «حمدوك» مع حملة تأثير أخرى كانت تستهدف قائد اعتصام محافظة المهرة، علي سالم الحريزي. وشارك في الحملتين حسابات داعمة للإمارات؛ مثل: حساب «بتول الخير» مجهول الهوية، وشبكة «إيجاز اليمنية» التي تدار من مصر والإمارات واليمن. 

 

كما تشارك منصات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي في الصراع في السودان، وتعرف نفسها على أنها سودانية؛ مثل الموقع الإلكتروني «برق السودان» الذي تشير بيانات حسابه على «يوتيوب» أنه يدار من الإمارات، ويحمل محتواه دعاية للإمارات بإطلاق أوصاف؛ مثل: «إمارات الخير» و«عبقرية زايد»، ولطالما شاركت حسابات هذا الموقع على مواقع التواصل الاجتماعي في الحملات التي تدافع عن مصالح الإمارات في السودان. 

 

على الجانب الآخر، تبرز التكتلات الداعمة لإيران؛ مثل: التكتلات الإلكترونية للحشد الشعبي الشيعي في العراق، والتكتلات الإلكترونية لدعم جماعة الحوثي في اليمن، والتكتلات الداعمة لحزب الله في لبنان. وتعتمد هذه التكتلات على شبكة حسابات وهمية سبق أن استخدمتها في شن حملة تتوعد الأردن، أطلقتها حسابات داعمة للحشد الشعبي العراقي، متهمة الأردن بقصف العراق، وتقديم الدعم لأمريكا وإسرائيل، عقب الضربات الأمريكية بالعراق في مطلع هذا العام. واحتوت بعض تدوينات هذا التكتل على كلمة «حشداوي»، وهي مرادف لمؤثر اجتماعي التي تستخدمها التكتلات الإلكترونية السعودية. 

 

وكما أن التكتلات الإلكترونية المصرية عابرة للمنصات، وتتخذ مجموعات على «فيسبوك» منصة لها لإطلاق حملاتها، تتخذ التكتلات الداعمة لإيران من «تلغرام» منصة لإنشاء قنوات لها؛ مثل قناة «ميدان منصة الإعلام المقاوم»، ومنها تطلق حملات دعائية لصالح الحشد الشعبي. تتشابه اسم هذه القناة مع «ملتقى الإعلام المقاوم - سيميا» الموجود على المنصة نفسها؛ وهي قناة ترتبط بنشاطات حزب الله الإلكترونية، وعادة ما تطلق عبرها الحملات المعبرة عن مواقف الحزب واتجاهاته؛ بما في ذلك حملات التشويه والتصيد. ويمتلك الملتقى حسابات مختلفة على الشبكات الاجتماعية، تنشط بشكل متزامن عند إطلاق الحملات. على سبيل المثال، أطلقت عبره حملة تضامن مع الراهبة اللبنانية مايا زيادة، التي تعرضت لحملة هجوم بعد إعلان مساندتها للعمليات العسكرية لحزب الله ضد إسرائيل في الجنوب. 

 

كما تتعدد القنوات وفق المناطق؛ فهنالك «مركز تسنيم للإعلام المقاوم في منطقة البقاع» الذي دأب على النقل من القناة الرئيسية «سيميا»، والمساعدة في نشر مضمون الحملات. 

 

ويرتبط بمركز نسيم شبكة حسابات وهمية تنشر المحتوى نفسه، ويتضح من مؤشرات نشاطها أنها آلية، نظرًا لتشابه المحتوى المنشور، وقلة عدد المتابعين، وكثافة النشر عليها، والانخراط في قضايا إقليمية ترتبط بحزب الله وإيران. 

 

وهذا لا يعني أن الحملات المعبرة عن مصالح القوى المرتبطة بإيران لا تشهد وجودًا بشريًّا؛ فحملات حزب الله تشهد دعمًا من شخصيات وازنة مثل جواد نصرالله نجل الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصرالله، وحسين مرتضى، مدير مركز «سونار» الإعلامي. 

 

وفي العراق، لعبت حساباتٌ دورًا في الحشد في إطار حملات منسقة؛ مثل حساب الإعلامي زهير القاسم، الضيف الدائم على منصات إعلام الحشد الشعبي، وأحمد عبد السادة، الذي تقول مواقع إخبارية عراقية إنه حرض على قتل المفكر هشام الهاشمي قبل اغتياله في يوليو/ تموز 2020، ونقل تهديدات ائتلاف الفتح المرتبط بالحشد الشعبي بقصف الإمارات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية اعتراضًا على نتائج الانتخابات في أكتوبر/ تشرين الأول 2021. 

 

انتهاك سياسات منصات التواصل الاجتماعيّ 

تنصّ سياسات منصة «إكس» على منع التلاعب والمحتوى المتطفل؛ إذ تقول المنصة: «لا يجوز لك استخدام خدمات إكس بطريقة تهدف إلى تضخيم المعلومات أو قمعها بشكل مصطنع».

 

 كما تحظر سياسات المنصة «المشاركات غير الأصيلة، التي تحاول جعل الحسابات أو المحتوى يبدو أكثر شهرة أو نشاطًا مما هو عليه في الواقع، والنشاط المنسق، الذي يحاول التأثير بشكل مصطنع على المحادثات من خلال استخدام حسابات متعددة، وحسابات مزيفة، والأتمتة و/أو البرمجة النصيّة». 

 

وسبق أن أغلقت المنصة -تويتر سابقًا- نحو ستة آلاف حساب يعتقد أن السلطات السعودية تدعمها لنشر أخبارها. رغم هذا، وجدنا أن منصة «إكس» تشهد نشاطًا موسعًا لتكتل «الجيش السلماني الإلكتروني» وما يرتبط به من حسابات وهمية تنشط لتأييد النظام السعودي، كما شرحنا سابقًا. كما تنشط شبكة الحسابات الوهمية المرتبطة بالقوى المؤيدة لإيران في كل من العراق التي يقف وراءها الحشد الشعبي، ولبنان التي يقف خلفها حسابات مؤيدة لحزب الله. 

 

,دأبت بعض الحسابات على التحايل على سياسات «إكس»، بخاصة حسابات «مطلقي الصفارة»؛ مثل باسم بخيت الشهير باسم «المايسترو»، فكلما عطلت المنصة وصوله إلى حسابه، سرعان ما كان يستعيد نشاطه باستخدام نسخ مختلفة من حساباته المتشابهة الاسم، فإذا ما عطلت المنصة أحدها، عاد بآخر، أو يلجأ إلى حيلته الأخيرة؛ وهي تغيير اسم مُعرف الحساب (الهاندل)، فلدى باسم حسابات بمعرفات مختلفة؛ منها:  bassembekhet1@ –  basemelmassry3@ – bassemelmassry@.

 

بالرغم من أن منصة «إكس» تدعي بأنها تحظر خطاب الكراهية، وبأنها تمنع التحريض والإيحاء بالإهانة والتجريد من صفة الإنسانية، واستخدام صور ورموز تحض على الكراهية، وأنها توفر حماية للفئات المحمية، بحظرها «السلوك التحريضي الذي يستهدف أفرادًا أو مجموعات من الأفراد ينتمون إلى فئات محميّة»؛ إلا أنه رُصِدت انه تم رصد حملات تحريضية تستهدف الأقليات والفئات المهمشة، ومجتمع الميم واللاجئين؛ الأمر الذي يدلل على أن الشركة لم تبذل الجهد اللازم ولم تستثمر الموارد الضرورية لحماية هذه الفئات من هذا المحتوى الضار عبر منصاتها والذي يمتد على شكل أشكل أذى رقميّ في العالم الحقيقي. فمثلًا، على خلفية حملة «#بلغ_عن_لاجئ» في مصر، نُشِرَت تم نشر العديد من العبارات والمصطلحات التي قد تصنف تحت خطاب الكراهية، والتي تنوعت بين التقليل من قيمة اللاجئين وتجريدهم من إنسانيتهم من خلال تشبيههم بالحيوانات أو الغزاة، وصولًا إلى تحريض صريح ضدهم، بما في ذلك دعوات للعنف مثل «دعسهم». كما شنت حملات تشويه ضد النساء المعارضات لتعديلات قانون الأحوال الشخصية في العراق، وضد المرشحات في انتخابات الرئاسة الجزائرية، ولم تأخذ منصة «إكس» موقفًا ضد هذه الحملات. 

تخلّلت بعض الحملات الإلكترونيّة المنسَّقة معلوماتٌ مُضلِّلة، وعلى الرغم من تعارض ذلك مع سياسات منصّات مثل «إكس» و«فيسبوك»، فقد استمرّ انتشار هذه المعلومات دون رادع. ولم تتّخذ منصة «إكس» أيّ إجراءات تُذكر سوى إرفاق المحتوى بتوضيح، وذلك بعد كشف «مجتمع التحقّق العربي» عن حملة منسَّقة استهدفت وسام ربيحات، مرشّح حزب «جبهة العمل الإسلامي» في الأردن.

 

النتائج 

توظف العديد من الحكومات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية ومكافحة الإرهاب لتقييد الحقوق الرقمية للمواطنين، وتستغلها لقمع المعارضين والصحفيين والنشطاء، عبر تهم فضفاضة مثل «نشر أخبار كاذبة» أو «المساس بهيبة الدولة». يستعرض التقرير أمثلة من السعودية، ومصر، والبحرين، والإمارات، والعراق، والأردن، وتونس، والمغرب، وموريتانيا، لتوضيح كيف تُستخدَم هذه القوانين بشكل تعسفي لتجريم النشاط الرقمي المشروع. كما تُفرض عقوبات قاسية مثل السجن والغرامات العالية، ويُلاحق الأفراد بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي. وتبين الحالات التي جرى رصدها أن هذه التشريعات لا تهدف في جوهرها إلى حماية الأمن أو مكافحة المعلومات المضللة فحسب، بل تُستخدم كأداة رقابية لتقييد النقاش العام، وتقليص المساحات المدنية، وقمع حرية التعبير. وتثير هذه الممارسات مخاوف حقوقية واسعة، إذ تتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتؤكد الحاجة لمراجعة شاملة لهذه القوانين بما يضمن حماية الحقوق الرقمية.

شهد عام 2024 تصاعدًا ملحوظًا في حجم المعلومات المضللة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اعتمد مجتمع التحقق العربي وشركاؤه على تصنيفات دقيقة لمحتوى التحقق مثل: غير صحيح، غير صحيح جزئيًا، ساخر، تحقيقات، وغير محدد. وفي عام 2024، رصدت منظمة «مجتمع التحقق العربي» 5402 مادة من 23 منصة تدقيق معلومات في العالم العربي، حيث صنف 90٪ منها كمحتوى «غير صحيح»، بما في ذلك 185 مادة مولدة بالذكاء الاصطناعي، غالبيتها سياسية. وكانت المواد البصرية (من صور وفيديوهات) الأكثر تداولًا بنسبة 41٪، تلتها النصوص والتصريحات، وأخيرًا البيانات والأرقام، بسبب صعوبة الوصول إلى معلومات رسمية.

هيمنت المواضيع السياسية على 72٪ من المعلومات المضللة، تلتها المنوعات بنسبة 12٪، والاجتماعية 5٪، ثم مواضيع أخرى مثل الاقتصاد والصحة والتكنولوجيا. كانت فلسطين الأكثر استهدافًا بنسبة 14٪، تلتها اليمن وسوريا، نظرًا للأحداث السياسية الكبرى، خاصة الحرب على قطاع غزة، التي شكلت وحدها 18٪ من مواد التحقق، وصُنّف 96٪ منها «غير صحيح».

من المواضيع البارزة أيضًا: استهداف الحوثيين للسفن، 33٪ من مواد اليمن كانت تدور حول هذا الموضوع، غالبها مزيف أو مولد بالذكاء الاصطناعي، حيث استُخدمت فيديوهات قديمة أو من ألعاب إلكترونية على أنها وقائع جديدة. أما في الولايات المتحدة، فقد انتشرت شائعات حول الانتخابات وترامب وبايدن، وصنّفت جميعها كمحتوى مضلل. أما في مصر، فقد برزت قضايا اقتصادية، مثل تصريحات الحكومة حول دعم الكهرباء، والتي ثبت أنها غير دقيقة. كما شملت الادعاءات مواضيع البطالة، والديون الخارجية، وكانت 30٪ منها حول نقص السلع وزيادة الأسعار. وأخيرًا، تناولت بعض الادعاءات أولمبياد باريس، مثل قصة اللاعبة الجزائرية إيمان خليف، التي ثبت أنها مختلقة ضمن حملة تشويه.

سلّط الجزء الأخير من هذا التقرير الضوء على استخدام الحملات الإلكترونيّة المنسَّقة كسلاحٍ للتأثير السياسيّ والاجتماعيّ، في ظلّ ضعف الاستثمار في حماية المستخدمين على منصّات التواصل الاجتماعي. وقد ركّزت الغالبية العظمى من هذه الحملات المرصودة على النزاعات العسكريّة، ولا سيّما الحرب في غزة، حيث استُهدفت شخصيّات مثل صحفيّي قناة الجزيرة، ووكالة الأونروا، وحتى رموز دينيّة كالراهبة مايا زيادة في لبنان. وامتدّت بعض الحملات لتشمل أطرافًا إقليميّة داعمة لغزّة أو معارضة لحزب الله، ما أسهم في تأجيج حملات طائفيّة وتحريضيّة بين الأطراف. كما زاد من تعقيد رصد هذه الأنشطة استخدامُ تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنتاج موادّ مفبركة

تجاوزت الحملات الحرب لتشمل نزاعات أخرى في اليمن، السودان، وليبيا، حيث لعبت قوى إقليمية مثل الإمارات دورًا بارزًا في توجيه الحملات لدعم حلفائها السياسيين والعسكريين. في اليمن، استُهدف الشيخ علي الحريزي بحملة تشويه، وفي السودان نشطت حملات متبادلة بين داعمي الجيش وقوات الدعم السريع. أما في ليبيا، فقد انعكست الانقسامات السياسية على السوشيال ميديا، حيث انطلقت حملات تروج لشرق ليبيا المدعوم مصريًا على حساب حكومة طرابلس. وشهدت سوريا وتركيا حملات تحريضية ضد الأكراد وقوات «قسد»، إلى جانب دعوات لاستخدام وسائل قصف شديدة مثل البراميل المتفجرة.

على الصعيد السياسي، سُجلت حملات تتعلق بالانتخابات في الجزائر وتونس والأردن، حيث استُخدم خطاب الكراهية والمعلومات المضللة لتشويه المرشحين، لا سيما النساء. شملت حملات أخرى معارضين سياسيين مثل سالم القحطاني في السعودية، وأحمد دومة في مصر. وبرز استخدام خطاب الكراهية بشكل متكرر ضد هؤلاء.

كما لوحظ تحريض مباشر على فئات مهمشة، مثل اللاجئين ومجتمع الميم، وتضمنت بعض الحملات دعوات للعنف، ومعلومات مضللة، دون رد فعلي فعّال من المنصات الاجتماعية؛ مثلما حدث مع «فتاة العريش» نيرة الزغبي، ومع المرشحات في الانتخابات الجزائرية، وحملات ضد مجتمع الميم في العراق. وتبقى هذه الحملات أداة رئيسية لخدمة المصالح السياسية للدول، وتشكيل الرأي العام في قضايا إقليمية حساسة، وسط غياب واضح للحماية الجادة من قبل شركات التواصل الاجتماعي.

وتشير البيانات إلى أن الحملات غالبًا ما تكون إقليمية، وتشارك فيها حسابات من عدة دول ردًا على أحداث كبرى، مثل الحرب على غزة أو مقتل قادة سياسيين. وتُظهر هذه الحملات انخراطًا منسقًا من شبكات حسابات تُدار ضمن مجموعات معروفة، مثل «الجيش السلماني الإلكتروني» في السعودية، و«المايسترو» في مصر، وتكتلات مؤيدة للإمارات، أو للحشد الشعبي وحزب الله في العراق ولبنان.

تتّسم هذه الحسابات بطابع منظّم، وتعمل كأذرع دعائيّة للدول والمجموعات التي تمثّلها، من خلال إطلاق الوسوم، والتحريض، ونشر محتوى موحّد عبر حسابات وهميّة. وتؤدّي المنصّات، مثل «إكس» (تويتر سابقًا)، دورًا سلبيًّا من خلال إتاحة هذا المحتوى الضارّ عبر منصّتها، على الرغم من انتهاكاته الصريحة لسياساتها المتعلّقة بالتلاعب بالمحتوى.

 

التوصيات


رغم أن العمل على هذا التقرير قد بدأ في نهاية عام 2024، أي قبل الإعلان عن التغييرات التي أجرتها الشركات الكبرى مثل منصة «ميتا» في سياساتها، لا سيما تلك المتعلقة بإنهاء برنامج تدقيق الحقائق، وتخفيف سياسات خطاب الكراهية، خصوصًا تجاه النساء، ومجتمع الميم، والمهاجرين، إلا أنه بات واضحًا أن هذه المنصات، منذ البداية، وقبل تنفيذ هذه التغييرات، قد شكلت ساحة خصبة للتحريض ضد هذه الفئات، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. علاوة على ذلك، عملت بعض الأنظمة في هذه المنطقة بشكل ممنهج على استغلال هذه المنصات لتشويه صورة المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، ونشر حملات إلكترونية منسقة ضدهم، مما أدى إلى التضييق على عملهم. وبالتالي، فإن عدم اتخاذ منصات مثل ميتا وإكس وغيرها من الشركات إجراءات حاسمة لحماية هؤلاء الأفراد والمجتمعات من الأذى الرقمي، سواء كان ناجمًا عن المنصات بشكل مباشر أو غير مباشر، يعرضها للمسؤولية والمشاركة في هذا الأذى. 

تشير المؤشرات الواردة في هذا التقرير إلى تصاعد مقلق في انتهاكات الحقوق الرقمية، مما يهدد بشكل مباشر الحريات عبر الإنترنت. هذه الانتهاكات، التي تتنوع مصادرها وتزداد تعقيدًا، تتطلب استجابة عاجلة وشاملة. لذا، سنقدم في هذا الجزء مجموعة من التوصيات العملية والمستهدفة، تهدف إلى تعزيز الأمن السيبراني وحماية حقوق المواطنين الرقمية في مواجهة التهديدات المتزايدة، مع التركيز على دور كل من الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، وشركات التكنولوجيا في هذا الصدد.

 

التوصيات العمليّة للحكومات وصنّاع القرار

تتورّط حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في انتهاكات ممنهجة للحقوق الرقميّة، سواء عبر سنّ تشريعات وقوانين مقلقة تُسلَّح لإسكات حرية الرأي والتعبير، أو من خلال إساءة استخدام منصّات التواصل الاجتماعي لنشر روايات موجّهة ضمن حملات إلكترونيّة منسّقة، تتضمّن خطابًا تحريضيًّا أو تشويهيًّا ضد المعارضين السياسيّين، أو للتدخّل في شؤون دول أخرى في المنطقة. وفي هذا السياق، يوصي هذا التقرير الحكومات باتّخاذ الإجراءات الآتية:

  1. دعم حقوق الإنسان في المجال الرقميّ: يجب على الحكومات دعم حقوق الإنسان عمومًا، وفي الفضاء الرقميّ على وجه الخصوص، وضمان حماية المستخدمين؛ بما في ذلك حقهم في الخصوصية وحرية التعبير والوصول إلى المعلومات.

  2. التوافق مع المعايير الدوليّة: أي التأكد من أنّ القوانين المحليّة وتطبيقاتها تتماشى مع المعايير الدوليّة لحقوق الإنسان، مع ضمان الوصول الحرّ والمفتوح إلى الإنترنت.

  3. منع القيود على الإنترنت: أي تجنّب فرض تدابير مثل حظر المواقع الإلكترونية أو إغلاقها، وسَنّ قوانين تضمن عدم انتهاك الحقوق الرقميّة للمواطنين.
  4. يتوجب على الحكومات الخارجية الضغط على حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أجل الإفراج عن المعتقلين: الدعوة علنًا للإفراج الفوريّ والعاجل عن الأفراد الذين سُجِنوا بسبب معارضتهم أو تعبيرهم عبر الإنترنت، والمطالبة بإلغاء القوانين الجائرة المتعلقة بالجرائم الإلكترونيّة.
  5. يتعين على الحكومات الخارجيّة ممارسة الضغط على حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتعديل قوانين الجرائم الإلكترونيّة بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وبما يحمي حقوق المواطنين في المنطقة، كما يجب الضغط عليها لإيقاف تسليح قوانين مكافحة الإرهاب والقوانين الأخرى التي تُستخدَم لقمع حرية الرأي والتعبير المشروعة في المنطقة.
  6. يجب على الحكومات الخارجيّة، خصوصا تلك التي تقدم المساعدات لحكومات المنطقة، فرض شروط على المساعدات للدول التي تنتهك حقوق الإنسان والحقوق الرقميّة.

 

التوصيات العملية للمجتمع المدنيّ:

  1. استكمال وتكثيف العمل على رصد وتوثيق الانتهاكات الرقميّة لحقوق الإنسان في المنطقة العربية، وإعداد تقارير دورية حول حالة الحقوق الرقميّة في المنطقة.

  2. تكثيف حملات المناصرة للقضايا المتعلقة بحماية الحقوق الرقميّة على المستويات المحليّة والإقليميّة والدوليّة، لتصعيد الضغط على كلّ من حكومات المنطقة والشركات حتى يحترم كلاهما الحقوق الرقميّة للمواطنين في المنطقة ويستثمر كلاهما الموارد اللازمة لحماية المواطنين من الأذى الرقميّ. 
  3. تنظيم برامج تدريبية مكثفة للنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في مجال الأمن السيبراني وحماية الخصوصية الرقميّة.
  4. الاستثمار في بناء البنى التحتيّة الرقميّة الخاصّة بالمؤسسات لتشجيع صمود المؤسسات وحمايتها من الانتهاكات المتكررة التي تقوم بها الشركات في ظل غياب القوانين التي تنظّم شكل العلاقة بين الشركات والمواطنين في المنطقة. 
  5. تكثيف بناء التحالفات والشركات بهدف بناء حركة قوية للحقوق الرقميّة في المنطقة. 
  6. توفير الدعم القانونيّ والسيكولوجيّ للنشطاء، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والنساء، ومجتمع الميم، والمهاجرين وغيرهم من الأفراد والمجموعات في المنطقة من الذين وقعوا ضحية للانتهاكات الرقميّة. 
  7. تنظيم حملات توعية واسعة النطاق حول أهمية حماية الحقوق الرقميّة.

 

التوصيات العملية للشركات

  1. إعطاء الأولوية لحماية المستخدمين: يجب على الشركات أن تضع حماية المستخدمين في مقدمة أولوياتها، خصوصًا أولئك الذين يتعرضون للاستهداف الممنهج من قبل الأنظمة والحكومات في المنطقة، مثل النشطاء والمعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والنساء ومجتمع الميم.
  2. الاستثمار في برامج تدقيق المحتوى: يتعيّن على الشركات الالتزام بزيادة استثماراتها في برامج تدقيق المحتوى، والعمل على استدامتها بدلًا من إلغاء هذه البرامج كما فعلت شركة «ميتا» مؤخرًا. ينبغي لهذه البرامج أن تتسم بالفعالية والشفافية في رصد المحتوى الضار والتمييز في الفضاء الرقميّ.
  3. الإفصاح عن الموارد والتعاون مع الحكومات: يجب على الشركات نشر تقارير تفصيلية تشمل الموارد المالية والبشرية المستثمرة في حماية المستخدمين من الأذى الرقمي، بالإضافة إلى الإفصاح العلني عن شكل التعاون مع الأنظمة والحكومات في المنطقة، بما في ذلك الطلبات التي تتلقاها الشركات وكيفية استجابتها لها.
  4. توفير أدوات للمجتمع المدني والباحثين: يتعين على الشركات الالتزام بتوفير الأدوات اللازمة التي تساعد الباحثين والمجتمع المدني في الوصول إلى المعلومات عبر المنصات وتحليلها لدراسات مستقلة، بدلًا من إلغاء استخدام الأدوات مثل CrowdTangle التي أُنهيَت من منصات «ميتا» في عام 2024.
  5. إجراء تقييمات مستقلة لحقوق الإنسان: يجب على الشركات إجراء تقييمات مستقلة وعلنية لحقوق الإنسان لضمان أن عملياتها لا تؤدي إلى عواقب سلبية، مثل التأثير غير المتناسب على المجتمعات المهمشة في مناطق النزاع والصراع. يجب أن تتمّ هذه التقييمات بشكل دوري لضمان الامتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
  6. التركيز على كشف الشبكات والحسابات المضللة: يجب على الشركات زيادة استثماراتها في كشف الشبكات والحسابات التي تعمل بشكل ممنهج على ترويج سرديات مضللة وتشويهيّة من خلال الحملات الإلكترونيّة المنسقة. ينبغي لهذه الشركات تخصيص موارد بشرية متخصصة ومدربة على الوعي بالسياقات المحلية والإقليمية والدولية ولديها خبرة في تتبع هذه الشبكات والكشف عنها بشفافية وعلانية. يتطلب هذا تعزيز الفرق المتخصصة لضمان أن الشركات تكون قادرة على التعامل بشكل فعال مع هذه الأنشطة، مع الالتزام بمعايير النزاهة والشفافية في الإجراءات المُتّبعة.