مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

"قطر باعت حماس" قوى شيعية تروج لنظرية مؤامرة عقب الغارة الإسرائيلية

"قطر باعت حماس" قوى شيعية تروج لنظرية مؤامرة عقب الغارة الإسرائيلية

في عصر يوم 9 أيلول/سبتمبر 2025، اهتزت العاصمة القطرية الدوحة، على وقع انفجار عنيف، إثر غارة جوية إسرائيلية استهدفت منطقة كتارا التي يقيم فيها أعضاء وفد حركة "حماس" المفاوض.

عقب الغارة الإسرائيلية، انتشرت على منصة "إكس" وسوم؛ منها: ‎#قطر_باعت_حماس و‎#دفاعات_قطر_نايمه و‎#تميم_عميل_إسرائيل، مترافقة مع انتقادات لأداء أنظمة الدفاع الجوي القطرية.

حلل "مجتمع التحقق العربي" هذه الحملة، وتبين أنها منسقة تقودها حسابات غالبيتها مؤيدة لقوى شيعية مدعومة من إيران.

 

السياق العام 

انطلق نشاط وسم ‎#قطر_باعت_حماس على منصة "إكس" صباح الثلاثاء 9 أيلول/سبتمبر 2025، وسُجّل أول منشور عند الساعة 09:25 بالتوقيت العالمي. خلال يومين بلغ إجمالي المحتوى 1,815 منشوراً، مع وصول تقديري يتجاوز 7.8 مليون حساب، وفق بيانات التغطية. 

تركزت الذروة يوم الأربعاء 10 أيلول/ سبتمبر،  ثم انخفض النشر تدريجياً. وإلى جانب الوسم الرئيسي، ظهرت وسوم متزامنة؛ مثل: "‎#دفاعات_قطر_نايمه" و"‎#تميم_عميل_إسرائيل"، وتزايد استخدامها ضمن ساعات الذروة نفسها قبل تراجع الوتيرة لاحقاً.

أظهرت بيانات نوع التفاعل أن المحتوى الأصلي شكّل نحو 67% من إجمالي المنشورات، مقابل نحو 20% إعادات نشر، وقرابة 9% ردود، ونحو 4% اقتباسات. 


تحليل الخطاب

أبرز ما تكشفه بيانات الحملة هو قائمة الكلمات والعبارات الأكثر تداولاً. إلى جانب الوسم الرئيسي ‎"#قطر_باعت_حماس"، برزت تعابير متكررة؛ مثل: "الضربة" و"الدوحة" و"إسرائيل".

إضافة إلى عبارات مباشرة؛ مثل: "قطر خانت"، "قطر باعت"، "تميم عميل". هذه المفردات شكّلت نواة السردية الشامتة في قطر، وجرت إعادة تدويرها بكثافة في مئات المنشورات. 

كما ارتبط الوسم الرئيسي بوسوم أخرى صاحبت الحملة وأسهمت في تضخيمها؛ أبرزها ‎"#دفاعات_قطر_نايمه" و‎"#تميم_عميل_إسرائيل"، إلى جانب وسوم دينية وسياسية شيعية؛ مثل: ‎"#مولد_النبوة_والإمامة" و‎"#غزة_تباد_وتحرق".

أما على مستوى المشاعر، فقد اتضح أن الخطاب حمل غالبية ساحقة من الطابع السلبي. النصوص الهجومية والسخرية من القدرات العسكرية القطرية أو من موقعها كوسيط سياسي سيطر على المشهد.

النطاق الجغرافي للحملة

التحليل الجغرافي لتوزيع المنشورات ذات المصدر المعروف (297 منشوراً) يكشف عن تركّز واضح في ثلاث دول عربية أساسية: مصر والعراق واليمن. مصر والعراق يتقاسمان المرتبة الأولى بنسبة 15.82% لكل منهما، يليهما اليمن بنسبة 13.13%.

ولوحظ أن المنشورات الصادرة من مصر والعراق واليمن، تتسم بقدر عالٍ من السلبية، في حين أن النسبة الضئيلة من المحتوى الإيجابي تظهر غالباً في لغات أو بلدان غير عربية. 


مطلق صفارة بدء الحملة 

 

مع تتبع المنشورات الأولى التي انطلقت بها الحملة، يتضح أن وسم "‎#قطر_باعت_حماس" لم يظهر فجأة في لحظة الذروة صباح 10 أيلول/سبتمبر، بل جرى التمهيد له قبل ذلك بيوم. أولى المنشورات المسجلة تعود إلى صباح 9 أيلول/سبتمبر عند الساعة 09:25 بتوقيت العالمي، حين نشر حساب يحمل اسم عبدالله السواري (@bdallhb00926554) منشوراً يحمّل قطر مسؤولية مباشرة في "الجريمة"، معتبراً أن تعطيل الدفاعات القطرية كان متعمداً. 

 

بعد دقيقة واحدة فقط، ظهر حساب آخر باسم Mohammed Lutf Ahmed AL-sunaider (@mohammed273355) ليعيد إنتاج خطاب مشابه، ربط فيه القصف الإسرائيلي في الدوحة بخيانة الوسيط، مستخدماً الوسم الأساسي.

 

ما لبثت أن دخلت على الخط حسابات أخرى تحمل أسماء ذات دلالات سياسية أو مذهبية واضحة، مثل د. محمد المروني (@dmrwni26) الذي استخدم صيغة الاقتباس ليكرّر سردية "إسرائيل الكبرى" وربطها بقطر، وحساب فرحان الفرح (@frhanalfrh) الذي كان من أوائل من استخدم الوسم بشكل صريح إلى جانب وسوم؛ مثل: ‎#حماس و‎#غزة_تباد_وتحرق. 

كما برز حساب Ammar Al-Yamani (@ammarb313) من اليمن، الذي شارك مبكراً عبر ردود قصيرة متكررة تحمل الوسم فقط أو تردده في سياقات أخرى، ما يوحي بمهمة تثبيت الوسوم أكثر من الدخول في نقاش حقيقي. كذلك ظهر حساب باسم إبراهيم الدولة (@ebr_dawlah) الذي صاغ منشوراً مباشراً يقول فيه "الحقيقة ظهرت للعلن ليشاهدها العالم"، مستخدماً الوسم عنواناً رئيسياً.

 هذا المنشور بدوره تحول إلى مادة لإعادة النشر من حسابات أخرى خلال دقائق قليلة؛ مثل حساب Merou (@slym1921) من الجزائر، وحساب فواز الملاهي (@falmlahy83) من العراق، ما يكشف سرعة انتشار النواة الأولى للحملة إلى جغرافيا متعددة خلال أقل من خمس دقائق من لحظة الانطلاق.

ولكن ما هي الحسابات الفاعلة على الوسم وتوجهاتها؟

 

 الحسابات المضخمة

تكشف سجلات Meltwater أن دفع وسم ‎"#قطر_باعت_حماس" إلى الواجهة لم يكن رهين كثافة النشر وحدها، بل اعتمد على عُقد مركزية تجمع بين إنتاج الرسائل وتضخيمها عبر شبكة عابرة للبلدان. 

في مقدمة هذه العقد برز حساب سين || seen (@1so__r) الذي جمع قرابة ألف تفاعل على منشور واحد مع وصول يتجاوز 24 ألف حساب. 

يشير محتوى الحساب إلى تأييده القوى العربية المدعومة من إيران؛ مثل حزب الله وأنصار الله (الحوثيين) والحشد الشعبي العراقي.

 

كما يظهر  حساب علي الشمّري (@ALnajafi5050) التي اجتذب منشورين له على الوسم أكثر من 250 تفاعلاً على الوسم مع وصول تقديري بلغ 32 ألفاً. ويربط خطاب الشمري السردية العراقية بنظيراتها اليمنية والفلسطينية عبر مفردات دينية وسياسية.

وعلى المنوال نفسه جاء حسين الراوي (@alrawie) بمنشورين فقط لكن مع 149 تفاعلاً ووصول بلغ 54 ألفاً. ويضع هذا الحساب علم إيران إلى جانب أعلام لبنان والعراق واليمن وفلسطين.

 

كذلك سجّل حساب رهف الوصابي (@alwsaby_rh67229) وصولاً يتجاوز 48 ألف حساب مع منشورات محدودة، ما يؤكد أن الشبكة ركنت إلى مضخِّمين لتثبيت الوسم في لحظات الذروة.

 

التحليل الشبكي

مع تتبع الشبكة الرقمية للحملة وبناء خريطة أولية للتفاعلات بين الحسابات، يتضح أن المشهد لم يكن عشوائياً، بل تشكّل حول مجموعة من العقد المركزية التي لعبت دوراً محورياً في نشر الرسائل وتضخيمها. من خلال تحليل عمليات إعادة النشر والاقتباس والردود، ظهرت بوضوح أسماء حسابات تتصدر من حيث كثافة الروابط وعدد الحسابات التي تفاعلت معها، وعلى رأسها حساب سين || seen (@1so__r) الذي جاء في قمة درجة المركزية. 

منشوراته لم تكتف بإحداث تفاعل مرتفع في حدود منشور واحد كما أوضحنا سابقاً، بل تحولت أيضاً إلى نقطة ربط مركزية في الشبكة، إذ ارتبط به عدد كبير من الحسابات في شكل إعادة نشر أو ذكر مباشر، ما جعله بمثابة "مضخّم رئيسي" يعيد توجيه دفة الحملة.

يأتي بعده حساب حسين الراوي (@alrawie)، الذي رغم قلة عدد منشوراته، فقد تمتع بدرجة مركزية مرتفعة، ما يعكس موقعه كعقدة تصل بين مجموعات مختلفة من المتفاعلين. هذه الخاصية تجعل منه أشبه بجسر يربط دوائر متباعدة داخل الشبكة، ويتيح انتقال المنشورات بسلاسة عبر مجتمعات متعددة. كما برز حساب علي الشمري (@alnajafi5050) وحساب saima asim (@saimaasimm) ضمن المراتب الأولى من حيث المركزية، وهما من الحسابات التي أسهمت في تثبيت الوسم عبر تفاعل منتظم ومتكرر.

اللافت أن بعض الحسابات الأخرى التي بدت أقل شهرة أو ذات أسماء عادية؛ مثلك @ummfarhan135 أو @tifani78، حققت موقعاً مهماً في الشبكة رغم محدودية محتواها. هذه الحسابات أدت وظيفة "مكرّرات الصدى"، حيث لم تبتكر محتوى جديد؛ بل أسهمت في إعادة تدوير الرسائل الأصلية وتوسيع نطاقها. 

بهذا، فإن الشبكة اعتمدت على طبقتين أساسيتين: الأولى هي الحسابات المركزية التي تولد المحتوى وتفرض السردية، والثانية هي الحسابات الطرفية التي تعيد تدويرها بشكل شبه آلي.

 

حسابات آلية تتخفى خلف البشر

عند تحليل أنماط النشر والتفاعل داخل الحملة، برزت إشارات قوية على وجود حسابات تتصرف بطريقة شبه آلية، ما يعزز فرضية أن التضخيم لم يكن تلقائياً بالكامل. ورغم أن التحليل الكمي لم يُظهر أعداداً ضخمة من الحسابات فائقة النشاط (بمعدل يتجاوز 50 منشوراً في 48 ساعة مثلاً)، فإن الأنماط الأكثر لفتاً للنظر جاءت من طبيعة المحتوى نفسه، ومن تكرار النصوص بشكل آلي تقريباً.

 

أكثر من ألف منشور في العينة ظهر تحت عبارة "This account doesn’t exist"، وهو ما يشير إلى أن جزءاً كبيراً من شبكة التفاعل اعتمد على حسابات تم إلغاؤها أو تعطيلها لاحقاً، ربما بسبب أنماط استخدام غير طبيعية أو شبه آلية.

البيانات تكشف أن أكثر من ألف منشور في العينة ارتبط بحسابات لم تعد موجودة وظهرت على المنصة تحت عبارة "This account doesn’t exist"، وهو مؤشر على أن هذه الحسابات تعرضت لاحقاً للتعطيل أو الإلغاء بسبب أنماط استخدام غير طبيعية. إضافة إلى ذلك، انتشرت نصوص متطابقة في عشرات النسخ؛ إذ تكرر منشور من حساب @ALnajafi5050 ثلاث وعشرين مرة، في حين ظهرت منشورات لحساب @saimaasimm في ست عشرة نسخة متطابقة لمنشور واحد، وثماني نسخ أخرى لمنشور ثانٍ. كما أسهمت حسابات أصغر مثل @jomana4568 في إعادة تدوير نص واحد سبع مرات متطابقة تقريباً. 

تعكس هذه الممارسات اعتماد الحملة على النسخ واللصق الجماعي لتضخيم الوسم، بعيداً عن أي تنوع طبيعي في الخطاب.