Arabi Facts Hub is a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.

حمامات النازحين في غزة: بؤرة أمراض وانعدام خصوصية

حمامات النازحين في غزة: بؤرة أمراض وانعدام خصوصية
kashif_ps

The Author

kashif_ps

 مادة مشتركة للصحفيين: "لميس الأسطل - بهاء شعت - علبة العلمي - حلا عيد - ميسرة فسيفس"

في إحدى زوايا مخيمات النزوح، تقف المواطنة منى شعت، البالغة من العمر 48 عامًا، أمام البطانيات والستائر المرقعة المحيطة بحمام عام مشترك بين العائلات النازحة، تنتظر طفلتها همسة، 15 عامًا، لتنتهي من قضاء حاجتها، حاملةً في عينيها الصغيرتين خوفًا أكبر من سنها وارتباكًا لا تفسره الكلمات، معانيةً من انعدام الخصوصية والنظافة في آن واحد؛ ما يشكل بيئة خصبة للأوبئة والأمراض ومرآة للإهانة وفقدان الكرامة، في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.

تقول منى شعت، أم لثلاثة ذكور وفتاة واحدة: "رحلتنا في النزوح مليئة بالألم والمعاناة؛ فقد نزحنا من محافظة رفح جنوبي قطاع غزة أكثر من مرة، حتى وصلنا إلى محطتنا الأخيرة في خيمة بالية مهترئة في مواصي محافظة خان يونس".

وتضيف شعت: "أكثر ما نعانيه في حياتنا بالخيمة دخول الحمام العام المشترك، فأكثر من عائلة وما يزيد عن ثمانين فردًا يستعملونه، مع قلة المعدات الخاصة بالتنظيف، والتلوث الكبير الذي يصيبه، خصوصًا مع عدم القدرة على سكب المياه في المرحاض بعد قضاء الحاجة، خوفًا من أن تفيض الفضلات علينا في ظل غياب خطوط الصرف الصحي اللازمة".

وتتابع: "نعاني من تكدس الذباب فوق الفضلات بصورة كبيرة، إضافةً إلى انتشار  الفئران والحشرات كالصراصير والبعوض وغيرها، الأمر الذي أدى إلى انتشار الأمراض بصورة كبيرة كالتيفوئيد والتهابات المسالك البولية والإسهال والطفح الجلدي والجدري وألم في البطن وغيرها".

وتستكمل شعت حديثها قائلة: "نشعر نحن السيدات والفتيات باختلاف دورتنا الشهرية عمَّا كانت عليه سابقًا، باختلاف لون الدماء وزيادة كمية الإفرازات، والشعور بحرقة شديدة وبالالتهابات عند نزولها؛ فقلة النظافة السائدة وتجمع الذباب فوق دماء فوطنا الصحية عند تغييرها يلعب دورًا كبيرًا في ذلك، إضافةً إلى عدم شعورنا بالراحة اللازمة؛ ما يزيد الألم ألمين".

وتوضح: "مع قلة المستلزمات الصحية أصبحنا نستخدم البدائل غير الآمنة كاستعمال معجون غسل الأواني أو الغسيل مع المياه عند انقطاعنا من صابون غسل اليدين أو غلاء أسعاره، واستبدال الفوط الصحية بشرائط بالية أثناء الدورة الشهرية"، لافتةً إلى أن ذلك كله يشكل خطرًا كبيرًا على المدى القريب والبعيد.

وتبين الطفلة، همسة شعت، بعدما ارتدت سماعة أذنها قائلة: "والدتي تصطبحني دومًا إلى المرحاض، منتظرة إياي خارج ستائره؛ خوفا علي وحفاظًا على خصوصيتي المنعدمة، منبهةً أي شخص يود دخوله من وجودي في الداخل؛ لأنني أعاني من إعاقة سمعية ونطقية تجعلهم غير قادرين على سماعي وحتى فهمي، متنمرين علي بصورة كبيرة".

وتصف شعت حالتها النفسية قائلة: "أشعر بتعب كبير يثقل كاهلي عند دخول المرحاض؛ لقلة النظافة وانعدام الخصوصية، مستشعرة بخوف كبير عند الخروج ليلًا لقضاء حاجتي، ممسكةً بضوء خافت وزجاجة مياه برفقة والدتي".

وتستطرد: "بتنا نقلل كمية طعامنا وشرابنا؛ لتقليل مرات دخولنا للمرحاض"، لافتةً إلى شرب كميات كبيرة من المياه حديثًا في فصل الصيف لشدة الحرارة، ممسكين أنفسهم عن قضاء حاجتهم؛ الأمر الذي يؤثر سلبًا على الكلى والمثانة.

وتوجه شعت رسالتها إلى الجهات المعنية قائلة: "أرجو من جميع المؤسسات الدولية الإنسانية النظر إلينا بعين العطف، وتوفير حمام صحي متكامل خاص لكل عائلة، إضافةً إلى كافة المستلزمات الصحية من صابون لغسل اليدين وفوط صحية ومناديل جافة ومبللة وفرشاة لتنظيف الحمامات وغيرها"، داعيةً إلى الحفاظ على الصحة الجسدية وصون الكرامة الإنسانية، في زمن الحرب والنزوح الذي لم يرحم أحدًا.

من جهتها تحذر الأخصائية في الصحة العامة، الطبيبة سها شعت، من حجم الكارثة الصحية الإنسانية التي تعيشها مخيمات النزوح؛ لاكتظاظها بالنازحين، متبوعة بالحمامات العامة المشتركة بينهم، في ظل ضعف التهوية وقلة المياه النظيفة ومحدودية الخدمات الصحية؛ الأمر الذي يخلق بيئة ملائمة لانتشار الأمراض المعدية بسرعة كبيرة، ما يزيد من خطر العدوى خصوصًا بين الفئات الأضعف كالأطفال والنساء والشيوخ.

وتذكر شعت: "الوضع غير الصحي المنتشر بين مخيمات النازحين وخصوصًا في قضية الحمامات العامة المشتركة يؤدي إلى ارتفاع في معدلات الأمراض الجلدية مثل: الجرب والجدري والفطريات الجلدية كالقمل، والأمراض المعوية الهضمية كالإسهال الحاد، والكوليرا والتيفوئيد، والتهاب السحايا واليرقان، والعدوى الفيروسية مثل: التهاب الكبد الوبائي "A" و "E"، والعدوى التناسلية خصوصًا بين النساء بسبب صعوبة النظافة الشخصية، والعدوى الفطرية والبكتيرية والمهبلية، والأمراض الطفيلية منها الدودة الدبوسية والإسكارس"، لافتةً إلى أنه تم مؤخرًا أخذ عينات من عدة حفر امتصاصية محتوية على فايروس شلل الأطفال؛ مما حفز وزارة الصحة لإطلاق الحملة الأولى والثانية والثالثة لمكافحته.

وتلفت إلى أن آخر الإحصائيات الرسمية لوزارة الصحة حتى نهاية شهر مايو للعام 2025 تؤكد انتشار الأمراض المتعلقة بالحمامات المشتركة ومياه الصرف الصحي بسبب سوء الصرف وقلة النظافة العامة.

وتستأنف شعت حديثها قائلة: "الحمامات العامة المشتركة وقلة نظافتها تؤثر سلبًا على نفسية الأشخاص وخصوصًا النساء والفتيات؛ فتؤدي إلى الشعور الدائم بانعدام الأمان والقلق الدائم والاكتئاب والخوف من التحرش والعنف بسبب انعدام الخصوصية، وتفادي استخدام الحمامات ما يؤدي إلى انحباس البول بكثرة ومن ثم التهابات المجاري البولية، والشعور بالإحراج الشديد خلال فترة الدورة الشهرية مما يؤثر على النظافة الشخصية بتأخير استبدال الفوط الصحية وقلة الثقة بالنفس ما يؤدي إلى الشعور بالإهانة وفقدان الكرامة".

وتدعو منظمة الصحة العالمية إلى توفير الحد الأدنى من التدخلات الإنسانية الصحية، كتوزيع مواد التنظيف الشخصية وتوفير مياه نظيفة للشرب والاستحمام وتوزيع الفوط الصحية والملابس الداخلية للنساء والفتيات، والسعي لتجهيز حمامات منفصلة للنساء والرجال بشكل آمن ومغلق وإقامة عيادات متنقلة أو مراكز صحية أولية وحملات توعوية بالنظافة العامة والخاصة.

وتركز شعت في حديثها على أنه من الضروري جدًا إنشاء محطات لغسل اليدين كمرافق صحية متنقلة ودعم البنية التحتية المؤقتة في المخيمات بتوفير خزانات المياه والصرف الصحي، وتدريب العاملين المحليين على إدارة الأزمات الصحية، وتأمين إمدادات الأدوية وإقامة حملات تطعيم للأطفال ضد الأمراض المعدية.

وتشير إلى أنه بدأت بوادر تفشي الأزمة بالظهور من خلال تفشي الأمراض وظهور نوع من الالتهابات الجلدية من الصعب التعامل معها لأول مرة، مع انتشار سلالات معينة من الحشرات لا تموت بالمبيدات الحشرية المعروفة، مؤكدةً ارتفاع نسلة الخطورة مع كل تأخر بالتدخل.

وتختتم شعت حديثها قائلة: "من أهم المخاوف المتوقع حدوثها على المدى البعيد: اضطرابات ما بعد الصدمة PTSD والتي تتمثل بالقلق الدائم والخوف من الإصابة بالأمراض وفقدان الأحبة، وضعف مناعة الأطفال بسبب التعرض المستمر للعدوى والإعاقة الدائمة نتيجة الأمراض غير المعالجة، وتأخر النمو العقلي والبدني بسبب الجفاف الناجم عن الإسهال المتكرر وفقر الدم الحاد وضعف التركيز والأداء العام، وتسرب الفتيات من التعليم بسبب ظروف النظافة الخاصة".