Arabi Facts Hub is a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.

“الجسد مقابل الخبز” في غزة

“الجسد مقابل الخبز” في غزة
kashif_ps

The Author

kashif_ps

تقرير: سحر مهدي ومعاذ النجيلي

من قلب الأزمة الإنسانية الخانقة التي تعصف بقطاع غزة منذ أكثر من واحد وعشرين شهرا من الدمار، بينما يعيش الغزيون في الخيام بلا مأوى، ولا ماء، ولا كهرباء، تظهر قضية صادمة ومؤلمة وهي ابتزاز بعض النساء من قِبل أفراد يقدّمون أنفسهم كمبادرين أو موزعين للمساعدات الإنسانية، مقابل الحصول على طرد غذائي أو مساعدة إغاثية، مستغلين حاجة النساء، على أمل الحصول على طرد غذائي يسدّ جوع أطفالهن، تظهر أصوات خافتة بدأت تخرج من تحت الركام، أصوات لنساء يتحدثن عن تعرضهن للابتزاز من قِبل بعض من يدّعون العمل الخيري أو التطوعي، ممن استغلوا ضعفهن وحاجتهن للطعام، وطلبوا منهن أشياء “غير أخلاقية” مقابل المساعدة.

في وقت يتحدث فيه العالم عن المجاعة والانهيار الكامل للنظام الغذائي في غزة، تتحدث نساء في الخفاء، عن وجع آخر لا يقل قسوة: وجع الكرامة المسلوبة

شهادات من نساء:

نشرت سيدة في احدى المجموعات الخاصة بالنساء الغزيات منشور تحت اسم مجهول الهوية قالت فيه:

“أنا أرملة، سجلت اسمي للمساعدة، رجع تواصل معي شخص قال لي: المساعدات خلصت، بس ممكن أساعدك بشكل خاص إذا أجيت لعندي. حسيت إنه يطلب مني شيء مش محترم. ما رديت، بس بعدها ما بعتولي ولا أي طرد.”

وفي حادثة مماثلة ظهرت في تعليقات نساء أخريات أكدن أن بعض الأفراد ممن يزعمون أنهم يمثلون جمعيات أو مبادرات شبابية يتواصلون معهن بطرق مباشرة أو غير مباشرة، ويوحون لهن أن الحصول على المساعدة ممكن لكن “بشروط”.

في مقابلة مع سيدة لا تفضل الإفصاح عن اسمها، قالت إنها أرملة ذهبت لطلب المساعدة من أحد المبادرين، فقام بالاتصال بها الساعة الحادية عشر ليلاً وبدأ بمغازلتها ووعدها بالكثير من الطرود، ثم شيئاً فشيئاً بدأ يطلب منها أمور جنسية عبر الهاتف  وحين تصدت له ومنعته، قال لها لا تطلبي مني أي مساعدة بعد اليوم" .

تقول أم سارة التي تعرضت لموقف مشابه "“بمكان توزيع الإغاثة، موظف محلي قالي: ’بدك كرتونة غذاء؟ ماشي، بس بتضلك تمرّي عليّ كل ما أطلبك.’ أنا اتجمدت، حسيته بيستغل وضعي، ولما ما رديت، سحب اسمي من القائمة وما عاد أعطاني ولا شي.

في شهادة من أم حمزة التي فقدت زوجها في بداية الحرب  قالت إن موظفًا يعمل مع مؤسسة محلية قال لها حين طلبت مساعدات نقدية: “اسمعي، عندي شوية أسماء بضيفهم عالقائمة… بس بدي أكون متأكد إنك شاكرة!” وحين واجهته، أنكر الكلام، وهددها بأنه “سيشطب اسمها من كل البرامج”.

بعض النساء يتحدثن عن إحساس بالذل والمهانة كلما احتجن للتسجيل في مبادرة أو مؤسسة غير معروفة.

الحديث عن هذه القضايا لا يخرج بسهولة، فالكثير من النساء يفضلن السكوت، خوفًا من الفضيحة، أو فقدان الفرصة في الحصول على مساعدة، أو حتى بسبب غياب الثقة بالجهات التي يُفترض بها أن تحميهن.

“يعني لما أشتكي على مين؟ هو أصلاً ما في جهة نشتكي لها. لو حكيت، ممكن أخسر أي طرد، وأنا مش قادرة أطعمي أولادي”، كلمة قالتها نازحة تقيم في أحد مخيمات النزوح التي أقيمت مؤخرًا.

بعض الناشطات المحليات أكدن أن هذه الممارسات أصبحت “مشكلة مسكوت عنها”، إذ تُفضل النساء الصمت خوفًا من التشهير، أو فقدان أي أمل بالحصول على مساعدة مستقبلية، خاصة أن بعض القوائم تُدار من أفراد بلا رقابة مؤسسية.

الجوع سلاح في يد من لا يرحم

في مقابلة مع الحقوقية كريمة المجايدة قالت: استغلال حاجة النساء  وطلبهن المساعدة خلال حرب غزة يُعد جريمة يعاقب عليها القانون، فهي تُكيف كجريمة ابتزاز أو تحرش أو استغلال للضعف، وكلها جرائم تصل عقوباتها إلى السجن المشدد وفق القوانين الوطنية، إضافة إلى أن القانون الدولي يعتبرها انتهاكاً جسيماً ويصنفها ضمن أشكال العنف الجنسي أو العنف القائم على النوع الاجتماعي، ما يضاعف خطورتها القانونية."

تقول إحدى المتابعات للشأن الإنساني في غزة:

“هناك مبادرات محترمة وتعمل بجهد، لكن في المقابل، هناك من يستغل غياب الرقابة والاحتياج الشديد، البعض يستخدم قوائم التسجيل لابتزاز النساء نفسيًا أو أخلاقيًا، وهذا أمر خطير وبحاجة إلى تدخل ومحاسبة.”

تُوزع المساعدات غالبًا عبر منصات غير رسمية أو متطوعين يعملون على الأرض، دون إشراف مباشر من منظمات دولية أو لجان مراقبة، ما يجعل النساء هدفًا سهلاً للانتهاك، خاصة النازحات، الأرامل، أو من لا معيل لهن.

الخوف من الفضيحة… صمتٌ يعمّق الجريمة

رغم تصاعد هذه الشهادات، لا تزال غالبية النساء يرفضن تقديم شكاوى رسمية، إما خوفًا من الانتقام أو خشية من الوصمة المجتمعية. تقول إحدى المتطوعات: “في ثقافتنا، لو تم تداول اسم امرأة على أنها تعرضت لابتزاز، فربما تُحاسب هي بدل الجاني، لهذا كثير من القصص تبقى في الخفاء.”

في مقابلة مع مديرة طاقم شؤون المرأة، يسان أبو جياب قالت: منذ بداية العدوان على قطاع غزة وكوادر الإغاثة يقدمون مساعدات يحصل خلالها حالات استغلال جنسي ضد النساء والفتيات بل وأيضاً ضد الأطفال لذلك كان هناك حراكا قويا يعمل على التوعية في قضايا الحماية من الاستغلال والانتهاك الجنسي (PSEA).

أضافت أبو جياب انها كانت شاهدة على إحدى القصص من هذا الجانب "هناك سيدة مقربة مني قالت لي يوجد شخص تواصل معها بصفته وكيلا لمؤسسة من الضفة الغربية، وقال لها انه يريد تقديم مبلغ ١٠٠٠شيكل لمدة عام  وأصبح يتحرش بها بشيء بشكل أشبه إلى الإسقاط".

في لقاء مع تهاني القاسم مسؤولة الوصول المجتمعي في مؤسسة الأبحاث والاستشارات القانونية، قالت إنه:

"في ظل وجود عدد من الحالات التى تعرضت لابتزاز واستغلال من قبل مقدمي الخدمات، دورنا كمؤسسة أولاً الدعم النفسي والاجتماعي وثانيا توجيه الضحايا للجهة التي عليهم تقديم الشكوى لها.

 وتابع: لكن إذا وردت شكوى إلى مؤسستنا أن المحترش أو المبتز هو شخص يعمل في إحدى المؤسسات المحلية، ويقوم باستغلال وابتزاز النساء، نقوم بعمل الإجراءات اللازمة ونتابع الشكوى.

وأكد أنه إلى جانب ذلك فإن المؤسسة تقوم بتوعية النساء من أجل تجنب أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي، كما تقوم بتوعية اللجان المسؤولة، وأي شخص يثبت تورطه في أي عمل استغلالي يتم محاسبته ومنعه من العمل".

وحول نفس الموضوع قالت الأخصائية النفسية في مؤسسة عايشة علياء أبو مريم: مع الأسف هناك العديد من السيدات اللواتي يتوجهن لنا، وهن من السيدات الأرامل أو المنفصلات أو معيلات الاسر ممن فقدن أزواجهن بالحرب، ويعشن ظروفا سيئة، حيث أكدن تعرضهن للاستغلال من بعض مقدمي المساعدات، مؤكدة أن هذه الشكاوى لم تكن كلها بحق أشخاص يعملون في جهات رسمية، فبعضها كانت بحق مقدمي مساعدات عشوائية في مراكز الإيواء والنزوح.

وأكدت أنهم كمؤسسة يحاولون توعية النساء كيف يتعاملن في حال تعرضهن لهذا النوع من الابتزاز أو الاستغلال، بالإضافة إلى مساعدتهم العديد من النساء وتلبية احتياجاتهن بشكل أو بآخر.

وفي ظل غياب الرقابة والمسؤولية المؤسسية، يزداد الوضع سوءًا مع غياب آليات الرقابة المنظمة على توزيع المساعدات في ظل الحرب والفوضى، الكثير من المبادرات تعمل بطريقة عشوائية، وبعضها بلا أي جهة تحاسبها أو تراقب على عملها، ما يفتح الباب واسعًا أمام الانتهاكات.

في المقابل، تصرّ العديد من مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة على ضرورة إنشاء لجنة رقابة مستقلة على توزيع المساعدات، وتوثيق قوائم المستفيدين بشفافية، وتخصيص خط ساخن سري للإبلاغ عن الانتهاكات، وإدخال وحدات حماية النساء ضمن فرق الإغاثة، ومحاسبة أي شخص يسيء استخدام المساعدات، وهذا ما أكدت عليه أبو جياب من طاقم شؤون المرأة، حيث قالت:  

نحن في طاقم شؤون المرأة وبتعاون مع مؤسسات نسوية أخرى نعمل على تدريب أخصائيين في مراكز التوزيع وأماكن النزوح على قضايا الحماية من الاستغلال والانتهاك الجنسي (PSEA): منها شبكة سند وهي شبكة تختص بالحماية من الاستغلال والانتهاك الجنسي وتمتلك خط اتصال مجاني (164) لتلقي شكاوى من هذا النوع بالشراكة مع مؤسسة سوا.

وأشارت قائلة هذه القضية تعتبر  إحدى أهم القضايا التي سيتم العمل عليها خلال الخمس سنوات القادمة"

وهذا ما أكدت عليه أيضا الاخصائية علياء ابو مريم، التي قالت:

"هناك نسبة كبيرة تتعرض لهذا العنف لذلك نحن في مؤسسة عايشة تركنا رقم الخط المجاني للسيدات اللواتي يتعرضن    للاستغلال الجنسي من قبل مقدمي الخدمات، أو أي شكل من أشكال الاستغلال أن يتواصلن معنا على الخط المجاني١٨٠٠١٧٠١٧١ الذي نقدم خلالهخدمات الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني".

 مؤكدة أن قضية ابتزاز النساء مقابل المساعدات تعد من أخطر القضايا الأخلاقية التي تفشّت خلال الحرب الحالية، وهي جريمة تُمارَس بصمت، وتُمرَّر تحت غطاء الحاجة والإغاثة، ولا يمكن السكوت عنها أو اعتبارها سلوكًا فرديًا عابرًا. ويعتبر محاربتها واجب إنساني وأخلاقي لا يقبل التهاون.